إذا عرجنا على الأوضاع المأساوية في غزة اليوم، وكيف تفاعل معها "آخر الشهود" الذين وجدوا الفرصة كي يقصّوا علينا حكايتهم، بينما عائلات بكاملها أبيدت ولم ينجُ أحد ليروي فظاعة ما حدث!! فعلينا أن ندرك أنها ثمرة الشعور الإسرائيلي بالحصار، فإما الصمت على الضربة النوعية "عملية طوفان الأقصى "التي تلقوها على يد حركة حماس، أو الرد بعنف كما نرى حيث ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 12 ألف شهيد بينهم 5 آلاف طفل و3300 امرأة، بالإضافة لارتفاع عدد المفقودين تحت الأنقاض إلى أكثر من 3750 بينهم 1800 طفل وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
تستخدم إسرائيل الآن قوتها على نحو غير مسبوق ضد المدنيين العزّل في غزة، منتهكةً بذلك القانون الإنساني الدولي مع إفلات تام من العقاب، فأرقام ضحايا العدوان تعني أن شهيداً فلسطينياً يسقط كل 4 دقائق بقصف إسرائيل المتواصل، كما يعني أن 6 أطفال و4 نساء يستشهدون كل ساعة بغزة.
كل هذه الأهوال موثّقة بالصوت والصورة على مرأى العالم المتحضّر، من دون أن تهتزّ شعرة! والأنكى أنه رغم الحديث عن هدن إنسانية، توالت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة، إذ تقول تقارير حقوقية إن القوات الإسرائيلية ألقت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزة، بمعدل ألف طن من المتفجرات يومياً تم إلقاؤها على قطاع غزة منذ بداية العدوان، كما أجبرت الغارات الجوية حوالي 1.5 مليون شخص - حوالي ثلثي السكان - على الفرار من منازلهم، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.!!
الناس في غزة ليسوا مجرد أرقام، ولا شيء يبرر إبادة عائلات بأكملها عن وجه الأرض وفي الوقت نفسه، نشهد حياة المدنيّين تتهشّم فقد أصبح مألوفاً في الأيام الأخيرة مشهد فلسطينيين يحملون كل ما يستطيعون من ممتلكات في أكياس وحقائب سفر، وعلى دراجات نارية وسيارات وشاحنات صغيرة، وعليهم أن يجدوا مأوى حيثما استطاعوا في جنوب قطاع غزة المزدحم بشكل متزايد، بما في ذلك الشوارع والمدارس التي تديرها الأمم المتحدة.
تدّعي إسرائيل أنها تتحرك دفاعًا عن النفس في حربها ضد حماس، ولكنها تتسبب بسقوط حصيلة مروّعة من المدنيين الأبرياء ويرى خبراء أن الحرب في غزة تبدو حتى اللحظة طويلة الأمد وأن إسرائيل لم تحقق أي أهداف قد أعلنت عنها خلال غاراتها وهجومها الذي تطلق عليه اسم (السيوف الحديدية) وفي المقابل يعتقد مراقبون أن الهجمات الكثيفة على غزة قدمت، على عكس ما كانت تقصده إسرائيل، ميزة إضافية لحركة حماس التي لا تزال موجودة داخل الأنفاق، وربما ستستغل الحطام داخل القطاع لتوفير مخابئ وملاذات آمنة لعناصرها، مما يجعل مهمة الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلن عنها سابقاً بتدمير البنية التحتية لحماس أو القضاء على الحركة أمراً صعباً.
أوهام قادة إسرائيل الذين لم يكترثوا أصلاً لبديهية استحالة نجاح أي حرب في قطاع غزة لا زالوا يراهنون على حسمها على رغم مضي شهر وأكثر على انطلاقها،
علاوة على انقسام الرأي العام الإسرائيلي إلى موقفين: أحدهما يطالب بتكثيف الضربات الإسرائيلية ضد القطاع، في مقابل الرأي بضرورة اللجوء إلى خيار التفاوض مع حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، بينما لا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن يضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية عربية ذات سيادة إلى جانب الدولة اليهودية، ولسوء الحظ، يبدو أنه لا يفهم أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد غيّر كل شيء!! ..
ولا شيء يكشف حال العالم ودوله وحال مجلس الأمن أكثر من العجز الذريع للوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية الدولية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإرساء العدالة والسلام في المنطقة، ما يصعب توقّع التطورات في الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن الأكيد هو أن المدنيين الأبرياء يدفعون الثمن الأكبر.
ختاماً إذا اتخذ العالم بأجمعه موقفاً موحداً تجاه الفلسطينيين، لإنهاء معاناة استمرت عقوداً، وصراع تأبى ناره أن تخمد، بحثاً عن حل عادل وحقيقي بأن يتمتع هذا الشعب بكل حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس فإن الحرب ستتوقف، وستعمل الأيام، على ترميم الجرح، وسيتعافى الشعب الفلسطيني شيئاً فشيئاً، ويوماً ما سيصبح كل هذا الخراب ماضياً سحيقاً.