الإعلام تايم || رقية ملحم
تؤدي البروباغندا " حرب الدعاية والتلاعب بالعقول " دور أساسي في الحروب من خلال وسائل الإعلام لكسب مجريات المعركة أو أحياناً كسب التعاطف!! ولا تختلف البروباغندا في الحرب الحالية المعاصرة عن الحروب التقليدية قديماً من حيث الهدف، لكن ما يميز البروباغندا في الحروب الحديثة أنها تندلع في أوج انتشار الوسائل الحديثة مثل فيسبوك، يوتيوب، والصحافة الإلكترونية، كونها سريعة الانتشار.
وتظهر بروباغندا العدو الإسرائيلي من خلال معركة "طوفان الأقصى" في الدعاية القوية التي بدأتها إسرائيل عبر أذرعها الإعلامية وعبر أجهزتها المخابراتية المتخصصة في الحرب الإلكترونية، حيث حاولت وسائل إعلام العدو منذ الساعات الأولى للمعركة نشر الأخبار الملفقة في محاولة منها لربط فصائل المقاومة في غزة بالإرهاب وكسب تعاطف دولي.
تعتيم الواقع وتلفيق القصص:
أدعت وسائل إعلام العدو الإسرائيلي أنه ونقلاً عن مصادر لم تذكرها ذبح مقاومي القسام لـ 40 طفل إسرائيلي وقطع رؤوسهم، ثم سرعان ما انتشر الخبر وتداولته أغلبية الصحف الغربية بل نشرته واستمر الضخ الإعلامي الغربي لتلك المسرحية الهزيلة بحيث نشرتها حسابات تحظى بملايين المتابعين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي دون التحقق منها بالأساس لكن سرعان ماتبين أنها كذبة وتلفيق وحذف الخبر من بعض الصحف لكن بعض الناشطين والمؤثرين لم يحذفو شيء .
كما نشر دونالد ترامب جونيور ابن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على حسابه في منصة إكس فيديو يظهر شخص يحمل سلاح ويصور أشخاص وهم غارقين في الدماء وعلق : «لن نتفاوض مع هؤلاء.. هناك طريقة واحدة فقط للتعامل معهم» أي أنه يقصد أبادتهم ... لكن سرعان ماتبين أن المقطع قديم ولاعلاقة له بفلسطين لكن الجونيور لم يمسح التغريدة التي شوهدت نحو 5 مليون مرة في أقل من 12 ساعة .
والمتابع للإعلام الغربي لاتخفى عليه سياسة التحيز والكيل بمكيالين حيث تنتشر آلاف الصور والأخبار التي أثارتها زوبعة الماكينات الإعلامية الغربية بسبب مقتل وجرح وأسر آلاف الإسرائيليين، في حين أن الصمت والتعتيم يسود عندما تدمر غزة بكل حقد وإجرام ، ويقتل النساء والأطفال .
وبما أن ازدواجية المعايير ليست حكراً على السياسة والإعلام، قامت أحد شركات الطيران الكندية "Air Canada" بفصل كابتن طيار؛ وكان الكابتن قد نشر صورة له بزيه الرسمي ووشاح بألوان العلم الفلسطيني، قبل أن تحيله الشركة للتحقيق وتفصله .؛ وقالت الشركة إنها "تدين بشدة العنف بأشكاله كافة" وأن المنشور الذي شاركه غير مقبول.
كرت الضحية:
مع بداية عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الصور لجنود من جيش الاحتلال وهم يبكون ليس على حائط المبكى هذه المرة ولكن على الحائط الأزرق "فيس بوك" فسرعان مانتشرت هذه الصور كلهشيم في النار .. لكن المستغرب كيف ينشر الاحتلال هذه الصور ألا تظهر ضعفه وعجزه للعالم!! أليس هو الجيش الذي لايقهر؟؟.. لماذا يركزون على البكاء ألا تسبب هذه الصور ضعف في معنويات جنودهم؟... يبقى السؤال لماذا؟ والجواب وبكل "بساطة" أن إسرائيل تستخدم بطاقة الضحية ببراعة.. دور الضحية نفسه له العديد من التكتيكات وتدرك إسرائيل أهمية اكتساب تعاطف الدول مع موقفها وتسعى عبر استخدام"كرت الضحية"، تعبئة وتجنيد العالم الغربي للوقوف في صفها، في حربها المسعورة على غزة ؛ وهنا تشق الضحية الحقيقية "فلسطين" طريقها بصعوبة لتصل إلى منصات الإعلام الغربي، حيث يخيل لمتابع هذه الوسائل التي تضخ باستمرار وتعاطف وتباكي على إسرائيل بأن "فلسطين هي من تحتل إسرائيل وليس العكس ؛ حيث قدمت وسائل الإعلام الأوروبية في معظمها، تطورات 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في هيئة "هجوم إرهابي على مدنيين إسرائيليين"، كما استبعدت التغطيات الإعلامية صفة الاحتلال لدى الإشارة إلى الجانب الإسرائيلي، في حين نزعت صفة المقاومة عن الجانب الفلسطيني وأطلقت عليه مصطلح إرهاب ؛ كما غيبت رواية على لسان مستوطنون إسرائيليون في الأسر سلوك لطيف ودود أظهره مقاوم فلسطيني لوجود أطفال بينهم ؛ كما حذفت منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وأكس وإنستغرام، منشورات وهاشتاغات متعلقة بالأحداث الأخيرة في فلسطين، فضلاً عن فرضها رقابة على أي محتوى متعلق بالأحداث بعتبارها تندرج تحت مسمى خطاب الكراهية والعنف بينما نشرت يوتيوب إعلان مثير لجدل يروج لإسرائيل باعتبارها ضحية .
وأخيراً عندما تشبع التغطيات الإعلامية بسياسة وتعاطف متحيز لطرف معين دون آخر فهذا يعتم على الرواية الثانية ويمنعها من الظهور لكن هذا الانحياز لن يدوم مفعوله مع كل تلك الجرائم التي يرتكبها الاحتلال خاصة مع وجود مضامين على شبكات التواصل متجاوزة لسياسة التعتيم والانتقاء الإعلامية الغربية..؛ الآن نحن بحاجة إلى الثقة بالذات وبالأرض والتاريخ والدفاع عن فلسطين حتى لو بكلمة لأن الصوت الصادر عن الحق مدوي وسيحول أكاذيبهم إلى سحابة صيف عابرة لا تترك أثر على الإطلاق في تفاصيل الأحداث الجارية .