الإعلام تايم | كنان اليوسف
رغم توقعه.. كان الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق مفاجئاً للكثير من الأوساط السياسية والعسكرية المتابعة، سيما وأن طبيعة الرد ومضمونه حمل في طياته رسائل باتجاهات عدة أولها رسائل عسكرية بالنار.
يجمع مراقبون أن هذه الرسائل وصلت للطرف المعادي "إسرائيل" والقوى الغربية الداعمة له.. ومضمون الرسالة العسكرية هو أن إيران الجمهورية تمتلك من قوة الردع العسكري ما يجعلها قوة وازنة وفاعلة في المنطقة لا يمكن تجاوزها على عكس ما تتوقع " إسرائيل " التي ضربت بعرض الحائط كل المحاذير بحربها على غزة.
كما توصل إيران بأن امتلاكها هذه الترسانة من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، ليس وحده عاملاً حاسماً في أي مواجهة مقبلة، بل إن العقل والتكتيك الإيراني في استخدام هذه الترسانة لإرباك العدو ، هو ما يحسم أية مواجهة مفترضة!! فأن ترسل إيران أسراب المسيرات في توقيت وصواريخ كروز في توقيت، وصواريخ فرط صوتية في توقيت آخر ، لتصل جميعها في توقيت واحد وتدخل أجواء فلسطين المحتلة بما يشل قدرة المنظومات الجوية للعدو على التصدي والإسقاط، وبما يحقق الهدف وإصابة المواقع الموجودة على بنك أهداف الرد الإيراني.
لفلسطين محور يساندها
حصدت إيران بردها على "إسرائيل" نتائج سياسية أكثر ما تفهمها القوى الكبرى الداعمة للحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، حيث استطاعت طهران إفهام هذه القوى بأن لدى الشعب الفلسطيني من يسانده ويدعمه في وجه العدوان، وأن وراء هذا الشعب محور بأكمله تتسيده إيران ولا يمكن بعد اليوم أن تبقى جرائم الاحتلال بحق هذا الشعب دون رد أو دون حساب، وهذا ما أثبته المحور على أية حال طيلة الأشهر الستة الماضية من خلال تحول فلسطين المحتلة إلى بوصلة ووجهة للترسانة العسكرية لهذا المحور، من اليمن إلى لبنان إلى العراق إلى سورية، واليوم من قلب إيران، وهذا ما خلط أوراق الغرب واسرائيل التي باتت أمام معادلة جديدة رسمها الرد الإيراني عنوانها ”الرد المباشر" على أي تهور باستهداف أياً من مصالح إيران في المنطقة، حتى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأمام هذا الواقع تظهر إيران بمظهر القوى الفاعلة والمنطقة وشريك في حل أزماتها وقضاياها المختلفة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.. هذه القضية التي يستميت العالم لتصفيتها وحلها على حساب الشعب الفلسطيني ولمصلحة إسرائيل وأول الساعين لهذا الهدف هي بعض الدول العربية التي سلكت مسار التطبيع مع إسرائيل وعندما تفرض إيران نفسها قوة في هذه القضية تبقى أسس الحل مختلفة عن تلك التي تسعى إليها القوى الغربية ومعها بعض العرب، استتاداً إلى وجود قوة عسكرية وازنة كمحور المقاومة يساند الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة ويقف إلى جانب هذا الشعب وحقوقه التاريخية التي باتت في مهب رياح صفقات العصر.
إيران جزء من تسويات المنطقة
بعد أن اصطدمت كل النداءات الإيرانية خلال الأشهر الماضية، إلى المجتمع الدولي للجم " إسرائيل " عن استكبارها في استهداف المصالح والأفراد الإيرانيين في المنطقة وحدت طهران نفسها أمام لغة جديدة هي لغة القوة وضعت من خلالها هذا المجتمع الدولي وهذه القوى أمام مسؤولياتها الحقيقية في تحذير إسرائيل من الرد على الرد الإيراني، لأن ذلك معناه توسع رقعة المواجهة وتحولها إلى حرب إقليمية واسعة استعد ويستعد لها محور المقاومة، وهي حقيقة باتت راسخة في قناعة القوى الكبرى ، بأن دول المحور التي تعيش أزمات منذ نحو عقد ونيِّف بفعل إسرائيل وأدواتها ، باتت اليوم أكثر قدرة على رسم مسارات الحل في دولها ، وفرض هذه المسارات بما يحقق مصالحها ومصالح شعوبها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها وهذا ما يمنحها إياه ارتباطها وتحالفها مع قوة إقليمية كإيران التي باتت اليوم ترسم معادلات ردع في وجه إسرائيل التي تحيك المؤامرات للمنطقة واغرقتها بعشرية الدم والنار من خلال ما سمي بالربيع العربي.. اليوم يتراجع هذا الدور من خلال اهتزاز صورة هذا الكيان بوجود قوى فاعلة تساندها شعوب حرة تستطيع أن تصرخ في وجه هذا الكيان وتقول "لا" للهيمنة والغطرسة.