العمليّة الهُجوميّة التي استهدفت حافلةً للجيش السوري في المناطق الحُدوديّة المُحاذية لشرق الفرات وأدّت إلى استشهاد 26 جُنديًّا كانوا يستقلّونها لا يُمكن أن تتم دُون تخطيط ومُباركة القوّات الأمريكيّة وحُلفائها في المِنطقة، وقد يكون إلصاقها بالدّولة الإسلاميّة “داعش” مُجرّد تمويهٍ وإخفاء لهذه الحقيقة، فإذا كانت “داعش” هي المُنفٍذ فعلًا، فلماذا لا تستهدف هذه الحركة القوّات الأمريكيّة وقواعِدها في المِنطقة، التي تتّخذ من مُحاربة هذه الحركة الإرهابيّة، والقضاء عليها، وتصفية قاداتها، عُذرًا لوجودها.
الولايات المتحدة الأمريكيّة تُمارس سياسةً تجويعيّةً ضدّ الدولة السوريّة وشعبها على غرار تلك التي مارستها ضدّ العِراق لأكثر من 13 عامًا، أيّ مُنذ غزو قوّاته للكويت، لتقويض الدولة السوريّة من الدّاخل، “لتيئيس” الشعب السوري ودفعه للبحث عن “الخلاص” بأيّ طريقة، تمهيدًا للغزو العسكري الأمريكي الشّامل، وهذا ما يُفسّر سيطرة القوّات الأمريكيّة وحُلفائها، خاصّةً قوّات سورية الديمقراطيّة “قسد” ذات الغالبيّة الكُرديّة، على أهم مصدرين لعوامل البقاء والعيش الكريم للشعب السوري، أيّ الحُبوب الغذائيّة والطّاقة، (النفط والغاز) شرق الفرات، وهذا ما يُفسّر انقِطاع الكهرباء، والنّقص الفاحِش في المواد الغذائيّة.
المعلومات المُتوفّرة لدينا تؤكّد أن القيادة الأمريكيّة في شرق الفرات بدأت تُجنّد المِئات من المُقاتلين لتكوين ميليشيات جديدة، من الذين ينتمون لقبائل عربيّة مُوالية لاحتِلالها، لتصعيد الهجمات الدمويّة ضدّ الجيش العربي السوري، وترسيخ الاحتِلال للمناطق الشرقيّة وتعزيز السّيطرة على ثرواتها.
لا نعرف حتّى متى تستمرّ القيادة السوريّة ومن خلفها في محور المُقاومة بسياسة ضبْط النفس وعدم تصدّيها لهذا المُخطّط، لتجنّب المُواجهة المُباشرة مع القوّات الأمريكيّة، فأمريكا لا يُمكن التّعاطي معها، وعرقلة مُخطّطاتها التخريبيّة إلّا بلُغة القوّة وحرب الاستِنزاف التي تفهمها جيّدًا، وتخشاها بكُلّ الطّرق والوسائل.
ربّما يُجادل البعض بأنّ أمريكا دولة عُظمى، والجيش السوري مُنهَكٌ بعد 12 عامًا من الحرب المُتواصلة، وأي مُواجهة معها لن تكون في صالح سورية المُحاصرة المُجوّعة خاصّةً بعد عودة العلاقات الأمريكيّة التركيّة إلى دفئها السّابق، وتزايُد التنسيق بين البلدين في سورية، ولكنّ هذا الكلام مَردودٌ عليه بالتّذكير بالانتِصار الكبير للمُقاومة العِراقيّة، وبعدها الأفغانيّة اللّتين هزمتا هذه القُوّة العُظمى وأجبَرتها على الانسِحاب الذّليل.
هُناك من يُفسّر جريمة العُدوان على حافلة الجُنود السوريين، وسُقوط هذا العدد الكبير في صُفوفهم، بأنّها جاءت ردًّا تحذيريًّا للقَيادة السوريّة من أمريكا، بعد تسرّب أنباء مفادها أن الجيش السوري، وبتنسيقٍ مع حُلفائه في إيران ولبنان والعِراق، وضع خطّة مُتكاملة لتصعيد هجماته على القوّات الأمريكيّة وقواعدها، وميليشيات “قسد” الكرديّة، لتحرير أراضيه المُحتلّة في شرق الفُرات، ولعلّ الزّيارة التي قام بها الجِنرال إسماعيل قآاني، قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، للمنطقة قبل أيّام معدودة تصب في هذا الاتّجاه، وأن تطبيق هذا المُخطّط الهُجومي المُعاكس ينتظر الآن الغِطاء الجوّي الروسي، ويبدو أن تزايُد الاحتِكاك بين الطّائرات الحربيّة الروسيّة والأمريكيّة في أجواء المِنطقة يُؤشّر إلى مُوافقةٍ روسيّةٍ أوّليّةٍ على هذا الطّلب.
خِتامًا نقول إن أمريكا التي عارضت بقوّة عودة الجامعة العربيّة إلى سورية، ومُشاركة الرئيس بشار الأسد في القمّة العربيّة الأخيرة في الرياض، نجحت في كبْح جِماح الانفِتاح العربي الخليجي على دِمشق من خِلال ضُغوط وتهديدات مارستها على بعض الحُكومات الخليجيّة، والعربيّة في هذا المِضمار، وهذا ما يُوضّح عودة “الفُتور” في علاقات سورية مع هذه الحُكومات في الوقتِ الرّاهن، وتبخّر مُعظم الآمال في دعمها، والمُشاركة في معركة إعادة الإعمار.
نعود ونُكرّر، في ظِل تدهور الظّروف المعيشيّة للشعب السوري بسبب حِصار قانون “قيصر” الأمريكي القاتِل، إن مُخطّط التّجويع والتّركيع للشعب السوري بدأ يُعطي بعض ثِماره في إحداثِ حالةٍ من “التّململ” في الأوساط الشعبيّة، ونحنُ ننقل هُنا آراء بعض المصادر القريبة من القِيادة السوريّة والمُوالية لها، وبات الحلّ الوحيد في نظرهم هو نقل المعركة إلى شرق الفُرات حيث مصادر الثّروة الغذائيّة والنفطيّة المُحتلّة بهدف استِعادتها للسّيادة السوريّة، وجعل الاحتِلال الأمريكي مُكْلِفًا للغاية ماديًّا وبشريًّا على غِرار الصّحوة الحاليّة في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة.