الإعلام تايم - الديار
نتمنى على الأمير محمد بن سلمان ألاّ يمضي في رهانه على دور جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب واليهودي الذي قد تجد رأسه بين أنقاض هيكل سليمان أكثر مما تجده في أروقة البيت الأبيض...
نتمنى . أما البروفسور برنارد هايكل، استاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة برنستون ، فيعتبر أن ولي العهد السعودي "بالغ كثيراً في تقدير حجم كوشنر ومدى تأثيره في صناعة السياسات...".
السيدة ايفانكا هي الأقرب الى أذني الرئيس، لكنها ليست الأقرب الى آذان الجنرالات، من جيمس ماتيس الى هربرت ماكماستر وجوزف دانفورد، مروراً بجون كيلي الذي من اولوياته الحد من تأثير العائلة على مواقف ( أو تغريدات ) الرئيس ...
ونتمنى على الأمير الشاب أن يسعى للحصول على نصوص المحاضرات التي كانت تلقى في البنتاغون، بدايات العقد الأول من القرن، وبإدارة ريتشارد بيرل حول المملكة العربية السعودية...
باحثون ومفكرون وأساتذة جامعيون قالوا علناً، في حين كان الأمير بندر بن سلطان يبدو في الصور وكأنه يجلس على كتف جورج دبليو بوش، أن لا مكان للدولة السعودية في زمننا بحكم البنية العائلية للسلطة، وحيث يغيب، وبفتاوى دينية تعود الى ما قبل العصر الحجري، مفهوم المؤسسات، وحتى المفهوم الكلاسيكي للمجتمع...
بين المحاضرين من تحدثوا عن انتاج المملكة لـ "الآيديولوجيات الهمجية"، ودعوا ليس فقط الى تفجير النظام بل والى تفجير الخريطة . واذ يبقى خادم الحرمين الشريفين في مكانه، فإن دولة أخرى تنشأ وتقبض على النفط، وتبني " مجتمعاً قابلاً للحياة".
لا نشك لحظة في أن "رؤية 2030" تختزل استراتيجية الأمير الذي يدرك أنه مع تقهقر أسعار النفط، واستشراء الأوبئة العدمية في المملكة ، وعدم امكانية ادارة الظهر لثورة الاتصالات وتداعياتها، فإن البلاد آيلة الى الانفجار..
هكذا ذهبت الرؤية الى حد التخطيط لنقل الكوت دازور، أو ميامي بيتش ، أو منتجعات ماربيا وهاواي، الى شواطىء المملكة التي يحظر فيها على المرأة قيادة السيارة : هل هي الشيزوفرانيا الخلاقة ؟!
جميل أن يفكر ولي العهد هكذا في دولة يغرّد فيه رجل دين بارز، داعياً الى عدم الترحم على الفنان الكويتي الشهير عبد الحسين عبدا الرضا لأنه رافضي ومن أهل الضلالة، وفي دولة يقول فيها من يؤم الصلاة في الحرم المكي "شتت الله اليهود والنصارى"، وفي دولة تصدم عناوين اطروحات الدكتوراه فيها من قبيل " السيوف المسلولة على الملًة المخذولة" و"صب الغضب على من سب الصحب".
حبذا لو أن الأمير الشاب أولى جلّ اهتمامه لتحديث الداخل، الداخل السوسيولوجي، في بلاده التي مثلما تطفو فوق أوقيانوس من النفط، تطفو فوق أوقيانوس من الزلازل...
الداخل السعودي خطير، ويحتاج الى الترميم السيكولوجي والفكري، بل والى إحداث تعديل دراماتيكي في ديناميات الوعي (واللاوعي)...
رقصة النفط التي تبرمجها الأشباح، ومن أروقة وول ستريت الى أرصفة روتردام، ترهق المملكة والسلطة في المملكة . التعامل مع الأزمة، ببراثنها الحادة، يقتضي أن تكون الرياض في حال وئام مع الجيران، لا في حال صراع يستنزف الرصيد المتبقي من امكاناتها التي لم يوظف أي شيء منها، وعلى مدى عقود، في تحديث معمارية السلطة أو في انتاج منظومة اجتماعية تتجرأ على التفاعل مع العصر...
خطوة هامة إعادة هيكلة العلاقات مع العراق، ولقد تعاطينا بتفاؤل مع ما تردد حول رغبة الرياض في قيام بغداد بالتوسط مع طهران، لنفاجأ بالنفي العاصف من السعودية ما يعني أن المنطقة تتجه الى ما هو أشد هولاً. هل كانت الحفاوة بمقتدى الصدر لاستمرار العبث في المسرح العبثي في العراق؟؟
بكل ود، وكنا قد تمنينا، في مقال أخير، أن يكون الانفتاح على العراق مقدمة للانفتاح على ايران التي مضت بعيداً في الاختراق الجيوسياسي للمنطقة العربية، نقول لولي العهد أن "رؤية 2030" لن ترى النور، ولو بعد ألف عام، اذا بقيت المملكة تحارب على كل تلك الجبهات، ودون أن تمتلك الجيش القادر على التعامل مع أي من هذه الجبهات، ولا المؤسسات التي تستوعب الاحتمالات وتبني الاستراتيجيات...
الأمير محمد يمكن أن يتحول الى ظاهرة. لا نقول بالانكفاء (المرير) الى الداخل، وإنما بالقراءة الدقيقة، والبعيدة المدى، لواقع المملكة، ولواقع المنطقة، ثم التفرغ، وبعقل بارد، لنقل المجتمع السعودي من ثقافة المطاوعة الى ثقافة القرن...
عد الى بلادك يا صاحب السمو، وفكًر مليّاً بما قاله لك باراك اوباما. لا صدى لمثل هذا الكلام. الآتي أعظم.