الإعلام تايم - الوطن العمانية
هي مؤامرة بكل معنى الكلمة، كون أبعادها هو المهم. ففي المدى القريب يتوه الرجال العرب بكافة أعمارهم داخل أوطانهم نازحين وخارجها أيضا، وهم يحملون أطفالهم بأسنانهم إضافة إلى زوجاتهم. رحلة صعبة وتنقل مجهول التوقيت والزمن. كل هجرة من هذا النوع ليس لها عقارب ساعة، تعتمد على حل، وهو لن يأتي ببساطة، فماذا على جيل الأطفال من فعل حماية للذات؟
المؤامرة الأساسية تطول هؤلاء في صميم مستقبلهم، أي وضعهم في خانة اللامستقبل مئات آلاف الأطفال بلا مدارس، وبلا بيوت، وبدون سقف ثابت، على تنقل دائم. هو ما يعني أمية تعليمية وأمية عملية، فلا هم متعلمون ولا هم عاملون، إنهم وقود لمشروع الحرب الدائرة على بلادهم، سوف يكبرون في غربة خطيرة، وسيكون عليهم أن لا يفهموا سبب ما أصابهم من محنة، فلن يجدوا غير السلاح ملاذا، أو الجريمة إطارا للبقاء.
كل الدوائر الخطيرة ستدور على هذه الأجيال التي حرمت من كل شيء، من الوطن، من التعليم، ومن تعلم مهنة، من حياة الطفولة بمعناها الطيب والجميل، والأهم أنها بدأت عمرها الصغير على وقع قلق دائم، وسماع صراخ منوع لا تفهم كنهه في البداية.
حينما قال وزير الدفاع الأسبق رامسفيلد إن العراق سيعود إلى القرون الوسطى كان يقصد أجياله في الدرجة الأولى، واليوم تقال الفكرة ذاتها على سوريا، فإذا بها تخص أطفالها بكافة أعمارهم. ومن قال إن أطفال اليمن أفضل حالا وهم الأسوأ كما تقول شتى المعلومات، فهل حقا يموت طفل كل عشر دقائق، وتسكت البشرية عن أداء دورها في مسألة التحدي الكوني للإنسانية جمعاء؟
اليوم طفل لكنه غدا شاب ورجل بزنوده وعضلاته لكن عقله ظل بكرا لم يدخله كتاب ولا أمسك قلما ولا تعثر بكومبيوتر ولا تعلم عملا يستفيد منه، شاب بلا مؤهلات، يعني وطناً متخلفاً .. إنه رهان من صنعوا الحرب، من قادوها، من خططوا لتكون لها تلك الأبعاد المثيرة. ملايين من هؤلاء الأطفال سيكون لهم موعد في الغد الذي يكتشفون فيه أن لا دور لهم سوى السلاح، من يدفع أكثر، ليس مهما من هم الأعداء ومن هم الأصدقاء، من هم الحقيقة ومن هم الخطيئة، المهم هو المأوى لأنه شعور الحماية من الفراغ الإنساني والفكري والثقافي والعملاني والتعليمي.
عندما تتشوه الطفولة العربية، لن يبقى من أمل وطني .. على أطفالنا أن يتعذبوا وأن يركبوا البحار هرباً وقد يموتون غرقا، أو يمشون في الوحول أمام عالم صدأ قلبه .. وإذا ما صرخوا وجعا فليس من يسمع، وإذا نحفت أجسادهم فليس من يقدم لهم غذاء أو ينتبه إلى هذا الموت المتراكم وهو كثير في البيوت ولا أحد يراه.
هي قصة ملايين الأطفال العرب الذين تغيرت حياتهم بعدما أصابت أوطانهم أحداثا وجودية ومصيرية. كثيرون لا ينتبهون إلى هذا البريء القابع بينهم وفي مخيمات الذل وهو يتأمل بعينيه ما يجري حوله، ويسمع بعقله البسيط أن بلاده مصابة بأزمة. صحيح أنه لا يعرف أن يسأل عن سبب حياته الجديدة بكل مكوناتها المختلفة عما كان يعيشه، لكنه يفهم أن ثمة تبدلا حدث، وليس له سوى أن يقرأ دموع أمه اليومية وصمت والده الدائم والمفاجئ وأحيانا صراخه العبثي.