الإعلام تايم-الديار
هو ذاك الغرب الذي وضع كل ثقله في الرهان على رجب طيب اردوغان لتقويض الدولة في سورية (النظام تفصيل). هو ذاك الغرب الذي لا يرى في العرب أكثر من صناديق أو براميل بشرية تتقيأ المال والنفط...
هو ذاك الغرب الذي يقف مذهولاً، وربما جذلاً، أما ما يفعله اردوغان في بلاده. الرجل الذي اغتال الحداثة، وحيث الاسلام ليس الطرابيش، واللحى، والأنياب، والنصوص التي يتم تأويلها بلغة الذئاب لا بلغة الأنبياء، وحيث الحياة ليست المقبرة الصغرى التي تقود إلى المقبرة الكبرى، وحيث الله ليس الهاً وثنياً بعث بنا إلى الأرض لكي يلهو بآلامنا وبعذاباتنا...
الرجل الذي زعزع الاقتصاد في تركيا، ولقد سبقت نمور آسيا في الديناميكية الاقتصادية، بموقعها الجيوستراتيجي البالغ الحساسية، فإذا بالخبراء اليوم يملأون الصفحات والشاشات بعلامات الاستفهام: إلى أين نحن ذاهبون؟
الرجل الذي دمر المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر الحارس الأتاتوركي للعلمانية، وأن بالغطرسة العثمانية إياها، والتي كانت تعتبر القوة الأطلسية الثالثة، فإذا بمئات الجنرالات وبآلاف الضباط الأخرين والجنود إما وراء القضبان أو يختبئون كالفئران في منازلهم...
الصرخة بدأت تعلو في الأرجاء التركية من الميليشيات التي تتناسخ يومياً وتنشر الرعب، حتى ليقال أن التركي لم يعد يمشيإلى جانب الحائط لتفادي "قبضايات الملاهي الليلية". وقد تحولوا الى قادة للميليشيات، بل يفترض فيه أن يمشي داخل الحائط...
الرجل الذي يختزل السلطات كلها، عملياً إنه السلطان وإن بالخطى الضائعة، لكنه يصر على تكريس ذلك دستورياً في استفتاء يجري بعد نحو شهرين في ظل الهراوات والسكاكين...
هو ذاك الغرب الذي يرثي الآن الديموقراطية في تركيا بعدما لاذ بالصمت المطبق حين كانت دبابات وطائرات اردوغان تدمر المدن والقرى الكردية لأن الكرد يطالبون بالحد الادنى لتظهير شخصيتهم السياسية والثقافية، وها أن نوابهم يزجون بالجملة، في معسكرات الاعتقال...
في ذلك الغرب الغريب، وحيث التصدع الدراماتيكي في القيم، يتساءلون عن البديل في تركيا. الميليشيات بالمرصاد حتى داخل الثكنات وحتى تحت ملابس الجنرالات. القوى السياسية كلها داخل الحصار.
ماذا يعني مسلسل التفجيرات، بأبعادها الكارثية، سوى أن المؤسسات الأمنية تعاني من خلل بنيوي قاتل ويهدد بسقوط الدولة نفسها..؟
ألا يبدو مثيراً أن يبدو فلاديمير بوتين وكأنه الشخص الوحيد الذي ينقذ رجب طيب اردوغان؟
الرئيس التركي يراهن على "صداقة" دونالد ترامب الذي يبدو وكأنه لا يعلم، أي دور اضطلعت به الاستخبارات التركية في استقطاب المقاتلين من القوقاز، ومن آسيا الوسطى، ومن تركستان الشرقية، لتشكيل القوة الأساسية، القوة المحاربة، لتنظيم"داعش"...
ليس هذا فقط، بل أن اردوغان فتح كل الأبواب أمام تلك الحثالة الأيديولوجية وفتح المنتجعات، والمستشفيات، والمعسكرات، وحتى الملاهي الليلية..
التفجيرات فاقت أي تصور تركيا من الدولة إلى الغابة، ومن المؤسسة إلى المستنقع. أين هي الدولة في تركيا؟
سياسيون وصحافيون وجنرالات حذروه من اللعب بالنيران فوق الأرض السورية، لكنه أصر على أن يلعب بكل النيران، وبكل الجثث، ليبدو الجيش، الجيش العظيم، عاجزاً عن أن يدق (ويدكّ) باب مدينة الباب، حيث الخسائر كانت هائلة، فطلب المساعدة الجوية من التحالف الدولي. هل صحيح أنه يخشى استخدام الطائرات التركية كي لا تغير على القصر أو كي لا تلجأ الى دول اخرى؟
الآن يتعامل مع الأزمة السورية بشروط القيصر لا بشروط السلطان. المفاجآت التركية لن تنتهي. العرب صدموا بغطرسة اردوغان وهشاشته في آن. سورية أمام المفترق الذي لا يرسمه قطعاً لا السلطان العثماني ولا شيوخ القبائل...