الإعلام تايم - السفير
الكسندر غورافيلوف لا يمنح الاتفاق بين الجيش السوري و"وحدات حماية الشعب" الكردية للتهدئة في الحسكة، الكثير من الوقت قبل العودة الى نقطة الصفر. الجنرال غورافيلوف، قائد القوات الروسية في سورية، الذي بذل يومين من المفاوضات، من أجل التوصل إلى اتفاق حميميم الكردي ـ السوري، ليس وحده من لا يثق برغبة الأكراد في احترام الاتفاق، كما قال مسؤول مقرب من المفاوضات السورية الكردية في حميميم، ولا بقدرة الاتفاق على الصمود أمام قرار أميركي بعرقلة العملية الروسية السورية المشتركة في حلب كما نقل عنه، بدفع الأكراد إلى خلط الأوراق في الشمال السوري، واستباق أي تقارب سوري تركي، أو تركي روسي إيراني.
ويشعر الأكراد، على حق، أن مثل هذا التقارب سيكون على حساب طموحاتهم بتأسيس كيان كردي في الشمال السوري، إذ أن التوسع المتواصل لحزب العمال الكردستاني في الشمال السوري، خصوصاً نحو الغرب، لوصل كانتونات الحسكة شرقاً، وعين العرب في الوسط، بعفرين غرباً، والمزيد من العسكرة، سيؤدي تدريجياً إلى تسريع التقارب الإيراني التركي السوري، والى فرض حل إقليمي في سورية على حساب الأكراد أولا، ويقضي على ما تم انجازه حتى الآن.
وتقول معلومات عربية، أن وفداً أمنيا سورية قد يتوجه في الأيام المقبلة الى أنقرة للبحث في التقدم الكردي في الشمال، وإحياء التعاون في إطار "اتفاقية أضنة" الأمنية ضد حزب العمال الكردستاني، وهو ما يثير مخاوف كردية، أدت الى تسريع عمليات الحسكة، كما تدفع الأكراد الى التوجه بسرعة نحو جرابلس، لمواجهة أي اختراق تركي عبر بقايا "الجيش الحر"، التي تقوم المخابرات التركية بتجميعهم في منطقة قرقميش، المحاذية لجرابلس.
وبحسب مصادر، طالب الأكراد في اجتماعات حميميم، بتعهد سوري بعدم التعاون أمنياً مع أنقرة. وتبدو المخاوف الكردية مبررة، خصوصاً أن الأتراك يعدّون لعملية لن تتوقف عند الدخول الى جرابلس، لمنع تمدد الأكراد غرباً، وإنما للعودة الى منبج نفسها، والمطالبة بخروج القوات الكردية منها، طبقاً للوعود التي قدمها الأميركيون للحكومة التركية، بأن الهدف من دعم الأكراد هو فقط التخلص من "داعش" في منبج، لتسليمها في ما بعد للألوية العربية، في ما يسمى "مجلس منبج العسكري".
ويقول خبير غربي يعمل في منطقة القامشلي، ومقرب من حزب العمال الكردستاني، إن الاتحاد الديموقراطي كان يعد لعملية الحسكة منذ أشهر، وأنه عرض في شهر كانون الأول من العام الماضي على الأميركيين القيام بعملية واسعة لتنظيف الحسكة من الجيش السوري، ودخول المربع الأمني في القامشلي مقابل أن تتعهد واشنطن تمويل رواتب الموظفين في المنطقة وتشغيل ميزانية المنطقة. إذ لا تزال الحكومة السورية ترسلها نهاية كل شهر، وتشتري المحاصيل الزراعية، وهو ما يشكل عنصراً حيوياً في تمويل الإدارة الذاتية الكردية نفسها في القامشلي. ويقول الخبير الغربي، إن الأميركيين رفضوا ذلك، وأن البنتاغون يرفض الخوض، في الشق السياسي أو المالي من التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية، ويعتبر أن التعاون عسكري بالدرجة الاولى.
اتفاق حميميم
الروس انتزعوا في حميميم من الطرفين، اتفاقاً أولياً وأمنياً وشكلياً يحتوي الهجوم الكردي الحالي، ولكنه لن يمنع هجوماً كردياً مقبلاً لن يتأخر كثيراً. ولمعالجة مسألة بحجم الأهمية الاستراتيجية للحسكة، التي تقرر جزءاً كبيراً من مستقبل سورية، التي لم تتوقف عن مواجهة تهديد أجنحتها الشمالية، منذ احتلال تركيا للواء الاسكندون العام 1939. التفاهم في حميميم بعد 48 ساعة من المفاوضات، لم يذهب أبعد من وقف لإطلاق النار، إعادة فتح الطرق بين القامشلي ومدينة الحسكة ونحو تجمعات الجيش السوري، تبادل الشهداء والأسرى والجرحى، والإبقاء على قوات الأمن العام والأجهزة الأمنية السورية، وقوات الأسايش الكردية داخل المدينة. كما يعيد الاتفاق طرح قضية الموظفين الأكراد المسرّحين من أعمالهم في الإدارة السورية، بالإضافة الى بند غامض ينص على المساعدة على حل المشكلة الكردية. وهو بند جنّب الطرفين الخوض في أصل النزاع بينهما، حول المسألة الكردية في سورية. إذ رفع الوفد الكردي سقف التفاوض أعلى مما تستدعيه "اشتباكات" ظرفية. واختبر موقف دمشق، في لحظة تراجع، وطلب الاعتراف بالإدارة الذاتية الكردية، بحسب مصادر عربية في حميميم. ويقول مسؤول سوري أنه كان مستعداً للخروج من قاعة المفاوضات ومواجهة كل الاحتمالات، على القبول بالتفاوض على مطلب من هذا النوع، تحت النار خصوصاً، فيما قال مسؤول سياسي في دمشق، إن بند البحث بالمشكلة الكردية ، كما "نراه" لن يتعدى البحث في مشاكل التجنيس وحل بعض قضايا الاحوال الشخصية.
الاتفاق قد لا يرقى الى مستوى ما انتظره المفاوضون الأكراد في حميميم، سيبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب، الدار خليل، قيادي حركة المجتمع الديموقراطي الكردي، أو ريدور خليل، الناطق باسم وحدات حماية الشعب، لأنه سيؤخر ضم مدينة الحسكة وريفها نهائياً الى الكيان الكردي الوليد، لكنه يستكمل السيطرة على أغنى محافظات سورية التي تبلغ مساحتها 23 ألف كلم مربع، أي أكثر من ضعف مساحة لبنان، فضلاً عن امتلاكها كل العناصر الاقتصادية التي تجعل الكيان الكردي قابلا للحياة بعيداً عن المركز الدمشقي.
وتحوي المحافظة أكثر من ثلثي النفط والغاز السوري في حقول الرميلان والهول والجبسة، وتنتج سهولها أكثر من مليون طن من الحنطة سنوياً وتضم أكبر مصادر المياه والطاقة السورية في سلسلة السدود والبحيرات، من سد الفرات الى سد تشرين، فبحيرة الاسد.
كما أن الاتفاق لا يستجيب لموقف دمشق ولقناعة ضمنية أن المطلوب هو تأجيل المواجهة الى حين استعادة دمشق المبادرة والتفرغ لدخولها بشروط أفضل، رغم أن دمشق أرسلت الى القامشلي وجبل كوكب تعزيزات إضافية، لمواجهة احتمال الهجوم على مراكز الجيش. ويبدو الاتفاق هشّاً، إذ لم يضمّنه المفاوضون، أية آلية تنفيذية على المدى المتوسط لمراقبة التطبيق. كما لم يقترح المفاوضون أي إطار لتجنب المواجهات المقبلة باستثناء التحدث إلى الروس والعودة الى حميميم للتفاوض.
الاتفاق حمل بنوداً، مع ذلك ترجّح كفة المطالب الكردية، وتعكس انتصاراً لاستراتيجية القضم الكردية لمدينة الحسكة وأريافها، خصوصاً أن التفاهم لا يعيد الأكراد الى خطوط الانتشار السابقة، كما يعني خسارة الدولة السورية عملياً قوة عسكرية محلية رديفة، رغم سوء سمعتها في المدينة، إذ لم يأت الاتفاق على تحديد مصير قوة "الدفاع الوطني" التي طالب الاكراد بحلّها.
الارتهان للأميركي!
تبدو الاندفاعة الكردية رغم اتساعها، محكومة أكثر فأكثر بالاستراتيجية الاميركية في سورية، وبالقلق من مؤشرات استراتيجية إقليمية لاحتواء مشروعهم في سورية. ويقول خبير غربي يعمل على الملف الكردي في الشمال السوري، أن حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري في مأزق، ويشعران بالإحباط . إذ من دون الغطاء الجوي الأميركي، الذي حوّل مناطق انتشار وحدات حماية الشعب الكردية، الى "منطقة كردية آمنة"، لن يكون بوسع الأكراد مواصلة التوسع، مما يعني أن المشروع نفسه أصبح رهينة الغطاء الأميركي. ويسود القلق أيضاً لأن الدعم الاميركي العسكري لم يتحول الى دعم سياسي، وقد يتوقف أيضاً في الأشهر المقبلة عندما تبدا مرحلة ما بعد "داعش"، أو معركة ما بعد الموصل، لأن جزءاً أساسياً من المكاسب الجغرافية الكردية تحقق من خلال الشراكة في الحرب على "داعش".
والأرجح أن يتراجع الدعم الاميركي في الأشهر المقبلة مهدداً المكاسب الكردية، إذا ما واصل البنتاغون رفض ربط الدعم العسكري، بدعم سياسي. كما أن الموقف في الخارجية الاميركية، لا يزال يدعم المعارضة الائتلافية دون غيرها، ولن يستبدلها بالتحالف مع حزب الاتحاد الديموقراطي.
وكان مايكل راتني، المشرف على المعارضة السورية، قد أبلغ الائتلاف في اجتماع قبل أسابيع في الرياض "أن لا علاقة لنا بحزب الاتحاد الديموقراطي، لكننا نملك علاقة عسكرية بوحدات حماية الشعب، ونحن نريد شريكاً قوياً على الأرض في سورية، والوحدات شريك قوي، وأنصحكم بالتحدث الى الاتحاد الديموقراطي لأنه سيبقى في سورية ولا نريد أن يتقاتل الجيش الحر والأكراد".
وأبلغ راتني المعارضة الائتلافية "أن الأكراد قد طلبوا منا الاعتراف بروج أفا، لكننا رفضنا، وقلنا لهم أن طاولة المفاوضات هي التي تحدد مستقبل الدولة السورية".
وقد بينت جولات مؤتمر جنيف الماضية، حرص الولايات المتحدة على إبقاء العلاقة مع الكرد عسكرية حصراً، كما بينت أن الاعتراض الأميركي على تمثيل الأكراد في المفاوضات هو السبب الذي منع مشاركتهم فيها، حيث يسعون الى تكريس وجودهم كفريق ثالث في الصراع، والحصول على اعتراف بهم وعلى ما أحرزوه من تقدم، أكثر من سعيهم الى التوصل الى حل سياسي يشبه ما تطالب به المعارضة الائتلافية .
وتقول مصادر غربية، أن الاحباط الكردي لا يتوقف عند عدم الاعتراف بروج افا، بل إن الأكراد قلقون لأن الاميركيين والبريطانيين والألمان، رفضوا تقديم أي تعاون مع مؤسسات الإدارة الذاتية، أو تمويل إعادة الخدمات المدنية في منبج لتصليب العملية الكردية. إذ رفض الضابط الأميركي الذي يدير برنامج "ستارت" في أنقرة والذي يتبع لمؤسسة "أدم سميث" ، تقديم أي مساعدات لمنبج من صندوق البرنامج المخصص لإعادة البناء ما بعد "داعش". كما رفض البريطانيون طلباً مماثلاً تقدم به الأكراد الى برنامج "آس ، آر ، آم" الذي تموله الخارجية البريطانية.
ومن شأن الاستعداد الأميركي الروسي، للتنسيق مع دمشق في عملياتها الجوية في الشمال السوري، أن يعمق الريبة الكردية بواشنطن، خصوصاً أن ردود فعلها على ضربات سلاح الجو السوري للأكراد في معركة الحسكة اقتصر على حماية المستشارين الأميركيين. ونقلت "الازفستيا" الروسية عن مصدر ديبلوماسي روسي بأن موسكو اقترحت إنشاء آلية لتجنب وقوع حوادث بين الطيران السوري والقوات الجوية الأميركية في المنطقة وإشراك دمشق في الاتفاق الروسي الأميركي للتنسيق في سورية. وجاءت مبادرة وزارة الدفاع الروسية بسبب زيادة نشاط الطيران السوري بشكل كبير بعد تسلم دمشق قاذفات من نوع "سو – 24 ام2" وإعادة طائرات أخرى بعد صيانتها. ويبتعد احتمال أن تلجأ واشنطن الى إقامة منطقة حظر جوي، في الشمال السوري، مع ما قاله المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك، رغم أن واشنطن قد ترسل المزيد من الطائرات الى المنطقة.