الاعلام تايم_الوطن العمانية
هنا الشرق الأوسط بكل أثقاله، وهنا تعيش ملامح بعض الدول كأنها تفتقت البارحة، مع أنها من عصر ما قبل التاريخ، ذاك الكتاب القيم الذي كتبه جبرا ابراهيم جبرا عن ذلك العصر الذي لم يكن فيه التدوين قد بدأ.
كان الكاتب كولن ويلسون "يشعر بالقزمية كلما وقف أمام واجهة مكتبة عامة"كما قال، فماذا لو تسنى له أن يقرأ تاريخ المنطقة بتفاصيلها المختلفة ومن خلال اهتمام كتاب متعددين، وهو الذي عاش في لبنان ودرس فيه. لا تكفي موهبة الكاتب، هنالك دائما ما يعوزه ليكون كاتبا ملما، وهو التاريخ أبو الكتب كلها وأهمها. فهل يمكن إلغاء منطقة هكذا بحسابات المزاج أو المصالح، منطقة مثل الشرق الأوسط هي أساس التاريخ ومحوره، وخصوصا بلاد الشام في مراحل وجودها المتعدد.
قريبا يزور الرئيس ترامب المنطقة مثل كل الرؤساء الأميركيين الذين كان آخرهم أوباما حين تحدث من على منبر جامعة القاهرة ليفتح عهدا جديدا معها (الشرق الأوسط). أحيانا تكون الأفكار العظيمة أكبر من المكان، وأحيانا أقل منه، المهم دائما هو التطبيق بإنجاز العهد الذي يتم قطعه. فرق كبير بين أن يجيء الرئيس الأميركي بفكرة مسبقة عن منطقة بلا تاريخ، وبين منطقة لها تاريخ هي أم العالم كمنطقتنا، والتي فيها ولادات أعظم الديانات وأشدها تأثيرا على البشرية في كل مراحلها.
لا نستطيع الجزم بماذا سيقوله الرئيس الأميركي وهو يعرف أن منطقة الشرق الأوسط تعطي لبلاده قوة حضورها في العالم. إذ لم تكن المنطقة ميتة وهادئة على مر تاريخها، كانت عاصفة، لم تهدأ لأنها لن تهدأ بالتالي. يرسم جسد الإنسان بالخلايا، وكيفما تكون يكون. هكذا هي خلايا منطقتنا مهما ابتعدنا أو اقتربنا، نحن لا نخترع الصراعات، هي موجودة أصلا، ونحن لم نقدمها كمركز للاكتشافات في شتى العلوم والثقافة والفنون وغيره، هي قدمت للعالم شهادات، ثم نامت طويلا، ليس بإرادتها، وإنما بما حطم أنفاسها وجثم على قلبها.
كانت أوروبا سبب حربين عالميتين كبيرتين، ربما من أجل التفاهم لاحقا جرى ذلك، تدارس الأوروبيون في مؤتمرات عدة سابقة كيف يمكن منع قيام حروب جديدة في ما بينهم، فوجدوا الوحدة الأوروبية، التفاهم على أسس موجودة لدى كل بلد. أقام الأوروبيون حاجتهم الماسة إلى العيش بسلام، لكنهم نسوا أن ثمة منطقة ساخنة بل حارة جدا تعيش في قلب العالم وفيها يعيش الصراع لكي يستمر وينمو بسبب وجود كيان ساهمت أوروبا في قيامه بل كانت أساس قيامه، وهذا الكيان لم يستطع التجانس ولا هو قابل له، فهو يرفض الآخر إلا إذا عاش ذليلا أو قتيلا، وفي الوقت ذاته أقيم على حساب شعب ما زالت بلاده تهدر في دمه وستبقى أبد الدهر طنينا في أذن الإنسانية جمعاء.
كيف نسمي الإنسانية إنسانية وفيها هذا الشعب المهدورة بلاده على هذه الطريقة التي لم تحصل إلا في عصور البرابرة حين كان يقيم ثلة من المتوحشين مكان أناس يقطنون منطقتهم بسلام. لا شك أنه يعرف أن زيارته لإسرائيل يعني أنه يطأ فلسطين المحتلة، وأن القدس كانت عاصمتها، وأن صراعا عمره من عمر التطهير العرقي في فلسطين لهو خير دليل على طبيعة المشكلة القائمة أو الأزمة الثابتة التي لن تختفي في منطقة الشرق الأوسط الملتهب.