الاعلام تايم - السفير
تتكهّن شركة «روس أوبورن إكسبورت» الحكومية، التي تُدير نحو 85 في المئة من صادرات السلاح الروسي، بأن يصل إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية بنهاية العام الحالي إلى 15 مليار دولار، منها 13 مليار دولار صادرات الشركة المذكورة نفسها، إضافة إلى صادرات مؤسسات روسية أخرى تعمل في هذا المجال بنحو 2 مليار دولار.
واللافت أن هذه الأرقام، التي تتكهن بها «روس أوبورن إكسبورت»، لم تتغيّر عملياً على مدار السنوات الأخيرة، برغم الإعلان الدائم عن صفقات جديدة لبيع الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية. ومع ذلك، يُمكن رصد التحسّن الكبير في صادرات الأسلحة الروسية في السنوات الأخيرة. ففي تسعينيات القرن الماضي، عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، تعرّض المجمع الصناعي العسكري الروسي لأزمة عنيفة كادت تفكك أوصاله بسبب سياسات «الليبرالية الجديدة».
فقد عانى هذا المُجمع في تلك السنوات من قلة التمويل والاستثمارات الحكومية وتسرُب العمالة الماهرة، وفقدان الأسواق التقليدية الموروثة من العهد السوفياتي. الأمر الذي أثّر سلباً وبشكل كبير على صادرات السلاح الروسي، التي تراجعت من 3.48 مليارات دولار في العام 1993 إلى 1.55 مليار دولار في العام 1994. لكنها ارتفعت بعد ذلك إلى نحو ملياري دولار في العام 1998، بفضل المشتريات الصينية من الأسلحة الروسية.
بعد انتهاء حقبة يلتسين، وضع فلاديمير بوتين المجمع الصناعي العسكري تحت إشرافه عملياً، وتبنّى سياسة توسيع مبيعات السلاح الروسي جغرافياً، لما لذلك من أهمية كُبرى للمصالح الروسية، ولما لهذه السياسة كذلك من أهمية في زيادة حصيلة الدولة من العملات الصعبة. وتحققت بالفعل نتائج إيجابية، تجلّت في بلوغ صادرات روسيا من الأسلحة في العام 2012، بحسب البيانات الرسمية، نحو 15 مليار دولار. أي أنها ارتفعت عشر مرات عن مستواها الأدنى في العام 1994. وتضاعفت صادرات روسيا من الأسلحة والذخائر والتقنيات العسكرية خلال السنوات الأخيرة بثلاث مرات، وتوسّعت خلال هذه الفترة جغرافية المبيعات العسكرية الروسية، حيث انضمّت دول جديدة إلى قائمة زبائن السلاح الروسي، وعادت دول أخرى لشراء الأسلحة الروسية.
في الوقت الراهن تبيع روسيا الأسلحة والمعدات العسكرية لأكثر من 65 دولة من دول العالم. وتحتل الهند المرتبة الأولى في قائمة زبائن السلاح الروسي، حيث تشكل الصادرات إلى الهند حوالي 25 في المئة من إجمالي الصادرات العسكرية الروسية. بيد أن الأسلحة الروسية تواجه منافسة قوية في السوق الهندية من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل. ومن غير المستبعَد أن يدفع هذا في اتجاه تراجع حصة الهند في مشتريات السلاح الروسي. وبنظرة عامة، نلاحظ أنه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و2009 اشترت الصين من روسيا أسلحة بمبلغ 28.15 مليار دولار، والهند بـ18.81 ملياراً، والجزائر بـ 4.7 مليارات، وإيران بـ 3.38 مليارات، وفنزويلا بـ 2 مليار، وماليزيا بـ 1.97 مليار، وفيتنام بـ 1.88 مليار، ودولة الإمارات بـ 1.14 مليار، واليمن بـ 1.12 مليار، والمجر بـ 1.11 مليار، واليونان بـ 1.06 مليار، وكازاخستان بـ 850 مليون دولار. كما أن مشتريات بعض هذه الدول من السلاح الروسي زادت أيضاً خلال 2009 ــ 2012، حيث بلغت قيمة عقود فنزويلا أكثر من 4 مليارات دولار، وارتفعت قيمة عقود الجزائر إلى 7 مليارات دولار.
بحسب معطيات المركز الروسي لتحليل تجارة السلاح العالمية، بلغت قيمة صادرات السلاح الروسي خلال الفترة الممتدة من العام 2008 وحتى العام 2011 نحو 29.8 مليار دولار، حيث احتلت الهند المركز الأول فيها بمبلغ 8.2 مليارات دولار، والجزائر جاءت في المركز الثاني بـ 4.7 مليارات دولار، وكانت الصين في المركز الثالث بـ3.5 مليارات دولار. ووصلت حصة الدول الثلاث المذكورة في إجمالي مبيعات السلاح الروسي 55.5 في المئة. وفي ما يتعلّق بالصين، التي احتلت في تسعينيات القرن الماضي المرتبة الأولى في صادرات السلاح الروسي، حيث كانت تشتري نحو نصف هذه الصادرات، فإنها قد تحتلّ المرتبة الرابعة خلال السنوات المقبلة بمبلغ 2.8 مليار دولار. وستكون سوريا، بحسب المركز المذكور، في المرتبة الخامسة في حال تمّ تنفيذ العقود الموقعة معها، وتسوية الأزمة السورية الحالية.
إن كل هذه التطورات الإيجابية، التي حققها المجمع الصناعي العسكري الروسي في عهد الرئيس بوتين، جعلت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تواصل شغل المرتبة الثانية في قائمة الدول المصدّرة للسلاح بنحو 20 في المئة من إجمالي الصادرات العسكرية العالمية. أما المرتبة الأولى فتحتلها، كالعادة، الولايات المتحدة الأميركية وبفارق كبير عن روسيا، وتأتي فرنسا في المركز الثالث، تليها ألمانيا في المرتبة الرابعة، ثم بريطانيا في المرتبة الخامسة.
في ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط وانخفاض إيرادات الدولة الروسية من الصادرات النفطية، تبدو روسيا تراهن على زيادة صادراتها من الأسلحة والمعدات العسكرية. ففي الشهور الستة الأولى من العام الجاري بلغت عائدات روسيا من صادرات النفط والغاز حوالي 56.4 مليار دولار، بينما كانت عائدات الصادرات النفطية وحدها 173 مليار دولار في 2013، بجانب 67 مليار دولار كإيرادات من صادرات الغاز الطبيعي. ولا يُستبعَد أن يؤثر تراجع أسعار النفط عالمياً على مشتريات السلاح الروسي، بدرجة ما، من قبل دول عدة، مثل فنزويلا والجزائر وربما إيران أيضاً. واللافت أن موسكو تستخدم سياسة إعلامية مكثّفة لترويج معدّاتها العسكرية، بما في ذلك عبر حملتها العسكرية في سوريا.
وهو ما لا يخفيه المسؤولون الروس الكبار عبر تصريحات صحافية متكررة في الفترة الأخيرة. وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن موسكو تراهن، بجانب زيادة حصيلتها من صادرات السلاح، على زيادة حصيلتها كذلك من العملات الصعبة عبر تكثيف صادراتها من الحبوب والقمح. فبحسب التقديرات الحكومية الروسية، ستبلغ قيمة صادرات الحبوب والقمح هذا العام نحو 20 مليار دولار. لكن هذه التغيّرات في هيكل الصادرات الروسية تبدو وكأنها، حتى الآن، غير محكومة بالسياسة المُعلنة بعد فرض العقوبات الغربية لتنويع الاقتصاد، بقدر كونها رد فعل تلقائي على تراجع أسعار النفط.