الاعلام تايم - ترجمة باسل الشيخ
قالت الكاتبة كارول سايفيتز أصبحت العلاقات الروسية الأمريكية أقل احتداماً مما كانت عليه في نهاية عقد التسعينات مع تولي دونالد ترامب لسدة الرئاسة, لا تزال الخلافات العميقة قائمة حول ضم شبه جزيرة القرم والأزمة الراهنة في اوكرانيا، وتوسع حلف النيتو عبر منظومة الصواريخ الدفاعية ومستقبل السيطرة على السلاح والعديد من القضايا الأخرى, كرر ترامب خلال حملته الانتخابية على مسامع الناخبين أنه يسعى إلى إقامة علاقات أفضل مع روسيا, ويبدو ان ذلك وجد صدى لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نتيجة ذلك كانت طرد أوباما لثلاثة وثلاثين دبلوماسياً روسياً في الفترة بين عيد الميلاد ورأس السنة مع إقرار عقوبات ضد هيئات مرتبطة بروسيا في رد على التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية, لكن بوتين رد الصاع صاعين حيث قال "لدينا الحق في اتخاذ إجراءات مضادة مماثلة, لكننا لن ننزل في مستوانا لنصبح مطبخاً سياسياً غير مسؤول, خطواتنا القادمة ستكون في اتجاه استعادة العلاقات الروسية الأمريكية وسنتقدم في دبلوماسيتنا مع إدارة ترامب".
وأضافت سايفتينز في مقال نشرته في مدونة لوفير: يبدو لعين الناظر أن النوايا الطيبة بين ترامب وبوتين تشير إلى البدء في علاقات ثنائية, لكن السؤال يبقى حول ما أن كانت تلك العلاقات ستتخطى الطموحات المتفائلة أم لا, وما إن كانت هنالك أية مقاربات تعقب ذلك.
لم يكن ترامب واضحاً على مستوى التفاصيل بشأن مستقبل سياسته مع روسيا سوى أنه أشار إلى التعاون معها في سورية لقتال داعش, والأمل في زيادة التجارة بين البلدين وحديث عام عن علاقات اكثر متانة, لكن بوتين وضع في خطابه امام مجلس الشعب في الأول من كانون الأول أهدافاً أكبر " من المهم قيام التطبيع وتطوير العلاقات الثنائية بيننا على أساس المصالح المتبادلة, إننا نتحمل مسؤولية ضمان الأمن العالمي واستقراره وتعزيز الأنظمة الحاكمة غير التوسعية".
يبدو الطرفان على أكثر المستويات سطحية أنهما متقاربان, لكن ما تتضمنه كلمات بوتين عندما قال "تحمل المسؤولية" في شأن الأمن العالمي هو ان تصبح روسيا قوة عظمى, فشعبية بوتين في موطنه –على الرغم من الزمة الاقتصادية هناك والتي تفاقمت بفعل انخفاض أشعار النفط عالمياً وفرض ضم جزيرة القرم- تستند أساساً إلى توسع الدور الروسي, وبحسب ما يقوله المحلل ديمتري ترينين فإن بوتين يعتبر روسيا حضارة تحفظ نفسها بنفسها لها قصب السبق دون باقي الأمم في النظام العالمي, ولا تزال رؤية ترامب حول جعل امريكا أمة عظيمة من جديد موقع نظر.
يبدو أن بوتين يطلب المزيد, أهم ما يريده هو رفع العقوبات, ليس فقط أن يدفع الكرملين هذه العقوبات لترتاح البلاد من وطأتها, بل لقد نقل عن بوتين مراراً مطالبته بالتعويض عن أثر تلك العقوبات, حيث أن أي تحسن اقتصادي سيعزز من شعبية بوتين في موطنه.
كان ترامب قد تعهد بإنهاء دعم من يسمون بالمعارضة المعتدلة في سورية والعمل مع روسيا للقضاء على داعش, ومن جانبه قال بوتين في خطابه آنف الذكر "إننا نتمنى توحيد الجهود مع أمريكا التهديد الحقيقي وليس التهديد الخيالي المتمثل في الإرهاب العالمي, ورجالنا في سورية يقومون بتلك المهمة" لكن القوات الروسية كانت تركز على دعم حكومة الرئيس بشار الأسد وليس على مهاجمة داعش, كانت تدمر هي الاستثناء الوحيد الملحوظ حيث استعادتها القوات الروسية والسورية الربيع الماضي, لتسقط بيد داعش في كانون الأول.
سيكون التعاون في الشأن السوري صعباً, إذ لا نعلم ماذا سيطلب بوتين مقابل ذلك, يفترض معظم المحللين أن الكرملين يريد تعامي الجميع عن نشاطات روسيا في أوكرانيا, فهل لدى بوتين مطالب أخرى؟ وعلاوة على ذلك فإن فكرة التعاون بين البلدين في سورية تواجه تحديات أخرى, حيث أن هذا يفترض أن على أمريكا أن تشاطر روسيا معلوماتها الأمنية الأمر الذي لقي معارضة من قبل ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين, رغم أن وزارة الدفاع الروسية أفادت بوجود تنسيق أمني من أجل القيام بالغارات قرب مدينة الباب (وهو ما نفاه مسؤولون أمريكيون) ولا يبدو أن العمل العسكري المشترك سيصبح واقعاً في مدة قريبة.
بموازاة ذلك ثمة صعوبة, فالتحالف مع روسيا سيضع أمريكا في صف إيران وحزب الله, ما سيعقد من إيفاء ترامب لتعهده بتمزيق معاهدة إيران النووية, وهي الاتفاقية الدولية التي دعمتها موسكو, نظرة أخرى يطرحها البعض تقول أن إدارة ترامب تريد شق شرخ بين موسكو وطهران, ويقول السفير الأمريكي إلى موسكو مايكل مك فول "ما لم تشتر أمريكا والحلفاء السنة السلاح الروسي الذي لا يباع إلى إيران فإن فرص التعاون مع بوتين عسكرياً فرص ضئيلة".
أعلنت موسكو وانقرة نهاية كانون الأول عن وقف إطلاق واسع النطاق مدعوم دولياً في سورية تليه محادثات بين نظام الأسد والمجموعات المتمردة في الآستانة, وقد وافقت تركيا وروسيا وإيران على فرض وقف إطلاق النار, لكن الحكومة السورية والمتمردين لم يوقعا على تلك الوثيقة, بقي وقف إطلاق النار غير مستقر في أفضل أحواله رغم الهدنة إذ لا تزال الاشتباكات مستمرة شمال دمشق إلى حين أخلى المسلحون المناطق متنازلين عن السيطرة لقوات النظام, كما انسحبت فصيلة واحدة على الأقل من وقف إطلاق النار منذ إقرارها في الآستانة, فهل سيصمد وقف إطلاق النار وهل ستبدأ المفاوضات وتبقى ثابتة الخطى؟ إن حصل ذلك فإن نصر روسيا سيكون مزدوجاً, حيث أنها ستكون قد أسست لدور كبير في الشرق الأوسط ساحبة البساط من تحت أقدام أمريكا والغرب, أما إن انهارت الهدنة فإن روسيا ستدعم حكومة الأسد قبل أي شيء, ومن ثم –وكما حصل في تدمر- ستقاتل داعش وجهاً لوجه.
أوروبا منطقة أخرى على قدر من الأهمية, يتفق الجميع على أن الكرملين يبدو مصراً على تشتيت شمل الوحدة الأوروبية, وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يؤكد على هذه الرؤية, حيث قال أمام جلسة الاستماع في كانون الثاني أمام لجنة القوات المسلحة "أعتقد أن أهم ما يجب فهمه لإدراك الحقيقة هو كنه الصفقة مع بوتين وإدراك أنه يحاول تحطيم تحالف مجموعة شمال الأطلسي" ولطالما دعمت روسيا مناوئي الاتحاد الأوروبي مثل مارين لي بين, ولطالما تصيدت في البرلمان الألماني في مسعى لإيذاء فرص انتخاب انجيلا ميركل, أما عسكرياً فقد كانت دول البلطيق والدول الاسكندنافية هدفاً للاستفزازات الروسية عبر الانتهاكات الجوية وعبر دخول الغواصات إلى ميناء ستوكهولم.
كان ترامب خلال حملته الانتخابية يشكك في قيمة النيتو (كما فعل لاحقاً خلال حفل تنصيبه) وبدا غير واضح في ما إن كانت أمريكا ستدعم الدول الأعضاء إن لم يدفعوا مستحقاتهم المالية, ولكي اكون منصفاً, فإن كثيراً من اليمينيين واليساريين يؤكدون على فكرة تشارك المسؤولية, لكن استجابة إدارة اوباما والنيتو للمخاطر المحيقة كانت نشر خمسة آلاف مقاتل قبل نشر صواريخ دفاعية في رومانيا وبولندا وإجراء تدريبات عسكرية مع دول في المنطقة, ويبدو ماتيس أنه مستمر في الالتزام بهذا الخط, فقد سعى غلى طمأنة الدول الأعضاء في اول يوم له في منصبه, هذه السياسات هي ما جعل الأصوات تتعالى في الكرملين حول تزايد حضور النيتو قرب الحدود الروسية, وفي دائرة التصعيد اجرت روسيا تدريبات عسكرية على الحدود الأوروبية, كما نشرت صواريخ اسكندر القادرة على حمل رؤوس نووية مؤخراً في كالينغراد, ويتخوف بعض الحلفاء من عدم احترام ترامب لالتزاماته في النيتو.
في ختام تحليلنا, من الصعب ان نتلمح خطوط الاتفاق العريضة, وعلى حد رأي ترامب, فإن الناس سيكونون اغبياء إن لم يريدوا علاقات أفضل مع روسيا, ولكن بأية شروط سيتم ذلك.
لم يلمح بوتين حتى الآن إلى نية في صفقة تتم حول أوكرانيا مما أسلفنا ذكره هاهنا, في جميع الحوال فإن الحرب شرقي أوكرانيا مستمرة ولا تزال القوات الروسية تصعد هجماتها باتجاه ماريوبول, وفي سورية سيكون انهيار وقف إطلاق النار مراوحة للوضع في مكانه مع كون النيران الروسية مهيأة لدعم حكومة الأسد, ولا يزال الحلفاء في أوروبا يتساءلون ما إن كان تعريف ترامب للصفقة يعني القبول بأية شروط سيشترطها بوتين.
جرت محادثات بين بوتين وترامب يوم السبت, قال البيت الأبيض ان تلك المكالمة الهاتفية كانت بداية علاقات جيدة, أما ما قاله الكرملين فكان أكثر وضوحاً "تحدث الجانبان عن اهمية المصالح الثنائية والعلاقات التجارية".
إن المقايضة الصعبة حيال أوكرانيا يوضح هدف روسيا في سورية, وإن حماية حلفائنا في أوروبا امر مطلوب قبل أن تبرم الصفقة, يمكن لرفع العقوبات أن يكون بداية ما, لكن لا ينبغي بترامب أن يتعجل في رفع العقوبات دون توضيح الخطوة في هذه القضايا, فالذهاب حيث يريد الآخر ليس سياسة خارجية ولا ينبغي ان يكون هدفاً بحد ذاته.
رابط المقال: https://www.lawfareblog.com/what-does-putin-want-bargain-trump