أثارت رئيسة مار تقلا الراهبة بيلاجيا سياف استياء شعبيا في سوريا، بعد توجهها بالشكر إلى «جبهة النصرة» التي كانت تحتجزها و15 امرأة أخرى، منذ أربعة شهور، خصوصا أنها جاءت في ظل استياء عام من غياب تام لأخبار مئات المخطوفين السوريين من نساء وأطفال على جبهات المعارضة المختلفة.
ومع وصولها الى نقطة جديدة يابوس الحدودية توجهت سياف بالشكر «للجبهة (النصرة) وقطر و(مدير الأمن العام اللبناني اللواء) عباس ابراهيم»، كما كررت الإشادة بالمعاملة «الحسنة والجيدة من جبهة النصرة»، وهو ما استدعى ردا سريعا من ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، بينهم ناشطة طالبت بمحاكمتها على موقفها.
ورغم أن البعض حاول الدفاع عن تصريحات الراهبات بحجة «الإرهاق الشديد وارتباك التفكير بعد المحنة» امتدادا إلى «أنهن لا يستطعن قول شيء آخر بسبب اختطاف مطرانين آخرين (هما يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي) في حلب» إلا أن مشاعر الاستياء لم تتوقف. وعلق رئيس تحرير الأخبار في إحدى القنوات المحلية «الحق يقال نسيت الراهبة شكر الجبهة على الهاون في القصاع، ونسيت شكر من أهان العذراء؟».
وقال رجل أعمال معروف، على صفحته الخاصة على «فايسبوك»، إنه لم يعد للراهبة بيلاجيا «مكان بعد الآن في سوريا». ودعا آخرون بأن تكمل طريقها إلى مصر أو تعود إلى لبنان.
يذكر أنه إذ سبق لرئيسة دير مارتقلا أن شتمت من قبل مؤيدي طرفي الصراع، بمجرد أن تفوهت بما يعاكس توقعاتهم. ففي أيلول الماضي أعلنت أن كل ما يقال في الإعلام الرسمي عن حرق للكنائس في معلولا وسرقتها غير صحيح، وذلك في تصريحات رسمية نقلتها وسائل الإعلام العربية، ردا على اقتحام معلولا في ذلك التاريخ.
كلام بيلاجيا سياف استدعى ردودا مؤيدة ومفاخرة من قبل جمهور المعارضين بـ«ابنة دير عطية البارة»، ومشيدة بـ«أخلاقها»، وذلك بعد مدة قصيرة على حملة شتائم من العيار الثقيل من ذات الطرف، إثر تصريحات غير مؤكدة نقلت عن لسانها تشيد فيها بالقيادة السورية»، وتتحدث عن «غزو الشيشانيين لمعلولا». وبعد اقتحام معلولا في الأول في أيلول الماضي اتهمت صفحات موالية، بيلاجيا سياف بأنها «سهلت دخول المسلحين، وأنها ضللت قوات الجيش» وصولا لاتهامها بالتنسيق مع زعيم «القوات» اللبنانية سمير جعجع!
وحاول إعلاميون على ما يبدو «تعديل الجو» الشعبي السلبي الذي ترافق مع إطلاق سراح الراهبات، من منطقة المعبر الحدودي، ولكن حين وصف مراسل إحدى المحطات على الهواء فترة غياب الراهبات «بالفترة المتعبة بلا شك» جاءه «تصحيح» سريع «بأنها كانت كتير كويسة»، لتضيف أخرى «بأن الجبهة (النصرة) كانت كتير منيحة معنا»، وصولا للحديث الذي تداوله كثر عن «الإتيان بلبن العصفور» في حال طلبنه. لكن بيلاجيا تداركت الموقف لاحقا، ووجهت شكرا جديدا إلى «كل من ساهم بإطلاق سراحهن، وخاصة الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وبطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي ومدير عام الأمن العام اللواء إبراهيم الوسيط الكبير والعامل في حقل الرب».
وأضيف إلى مشاعر الاستياء لاحقا الفيديو الذي نشرته «جبهة النصرة» لعملية التبادل، والتي تظهر فيه الراهبات وهن يتشكرن ويتوجهن «بالدعوات بالحفظ» لمختطفيهن.
إلا أن البعض فضّل النظر إلى المسألة بشكل أكثر عمقا، مبررا حالة الاستياء العامة من قضية أخرى أكثر أهمية بالنسبة لجل السوريين، تمثلت بحضور صور آلاف المختطفين والمفقودين في سوريا، والذين لا يجدون من يساوم باسمهم. وظهرت تزامنا مع إطلاق سراح الراهبات صفحة «قضية» أخرى على «فايسبوك» عن ما يقارب 300 شخص جلهم من الأطفال والنساء مختطفين في ريف اللاذقية، و75 في نبل قرب حلب، والعشرات في عدرا، والمئات في ريفي حمص الشرقي والغربي. وعلقت صفحة «شبكة أخبار حلب» المؤيدة على الصفقة الأخيرة ليل أمس الأول «كل مسؤولي دمشق وريفها استنفروا لاستقبالهم استقبال الفاتحين، أما عشرات الآلاف من المخطوفين، رجالا ونساء وأطفالا، جلهم ضحوا بأبنائهم وآبائهم من أجل الوطن، ولاؤهم معروف ومصيرهم مجهول. لا تفاوض ولا تبادل ولا حتى سؤال»!
زياد حيدر- السفير