ادعى رئيس الوزراء أردوغان أن تركيا منطلقة في طريقها لتصبح قوة إقليمية مهمة ولاعباً دولياً عملاقاً، وبالمقابل هناك منظمة سرية أو دولة موازية كما يسميها في الداخل، وجهات خارجية لا تريد لها أن تحقق النهوض المنشود، لذلك تقوم بعملية إجهاض للبلاد وإسقاط للحكومة، بحسب ماذكرت صحيفة زمان.
بيد أن سيادته ماهر في إتقان التعبير عما يدّعيه بطريقة خارقة، وعندنا عشرات الأمثلة التي تثبت أن حضرته يقول عكس ما يفعل، ويفعل عكس ما يقول، وذلك يعني أن رئيس الوزراء ليس معنياً بشرعية الطريق التي يسلكها ما دامت توصله إلى الهدف الذي رآه مشروعاً وضرورياً.
بداية، لقد أصبح موقع تركيا كقوة إقليمية مثار نقاش، وبالتالي كيف يمكننا أن نزعم أنها أصبحت لاعباً دولياً، وثانياً، إن دعوى السيد رئيس الوزراء بأن "القوى الدولية" (ويقصد بها أمريكا وإسرائيل) التي لا ترغب لتركيا أن تواصل في مسار التقدم قد رتبت مؤامرة ضد تركيا وحكومتها، قد تم تكذيبها عملياً من قبل الحكومة عينها.
فالحكومة بنفسها قدمت ضمانات لأمريكا من خلال تصريحات لها مثل "لا يوجد لحكومتنا تفكير في هذا الإتجاه" من جهة، ولكنها من جهة أخرى تفاوضت في نفس الفترة مع إسرائيل، وقامت ببعض التخفيضات في التعويضات المالية المطلوبة من إسرائيل من أجل ضحايا سفينة "مرمره"، وكذلك قدمت وعوداً مغزاها أننا لن نطالب بمحاكمة الجنود والضباط الإسرائيليين الذي تورطوا في تلك المجزرة.
كذلك في الفترة نفسها تم توقيع اتفاقية إنشاء منطقة صناعية ذات مواصفات نوعية مع إسرائيل في جنوبي شرقي تركيا، وعليه، هل يبقى معنى للحديث عن مؤامرة أو عملية أمنية ضد تركيا أو الحكومة في ظل هذه الإجراءات العملية المتخذة من قبل حكومة أردوغان نفسه.
أضف إلى كل ذلك أنه من المستحيل أن يتم ترتيب أحداث "كيزي" وعمليات "17 كانون الأول/ ديسمبر" من قبل "المنظمة" نفسها كما يدعي السيد رئيس الوزراء، لأن السيد "معمر أكاش"، وكيل النيابة العامة الذي أدار الموجة الثانية من عملية الفساد والرشوة، هو نفسه من أدار ملف التحقيق في أحداث "كيزي"، وقد أعلنه أردوغان بطلاً أيام أحداث كيزي، وخائناً للوطن في هذه الأيام عندما فتح ملف التحقيقات في حق بعض وزرائه والمقربين منه وبعض رجال الأعمال الإيرانيين، أما مسألة وضع أجهزة تنصت في مكتب رئيس الوزراء، فهي ما زالت أسطورة لم تتضح حقيقتها رغم استمرار التحقيقات في ذلك منذ عامين، فهل فعلاً جهات خفية وضعت تلك الأجهزة هناك، أم أن القصة ملفقة منذ البداية تمهيداً لاتهام بعض الناس الشرفاء الذين يخدمون وطنهم بإخلاص؟.
إن "المنظمة" أو"الدولة الموازية" التي أشار إليها السيد رئيس الوزراء كانت محل ثقة وتقدير الحكومة وكافة الأقلام الموالية لها وجميع المتحدثين باسمها حتى عام 2012، لكن عندما انطلق القضاء - بمقتضى واجبه الطبيعي- ليفتح ملفات تحقيق في حق من رآهم متورطين في أعمال فساد من أعضاء الحكومة بناء على أدلة قوية، أسرع رئيس الوزراء ليتهم هؤلاء الذين أثنى عليهم البارحة بـ"بالمنظمة المتسربة في الدولة" أو بـ"الدولة الموازية".
ليس هناك أي مبرر مقبول -حتى الآن- لما تقوم به الحكومة من إجراءات غريبة للغاية من إقالات غير مسؤولة، وعرقلات لأعمال القضاء، ومنع لجهاز الأمن من أن يقوم بمهمته، وإنتاج لقوانين جديدة متسرعة بناء على حالات طرأت عليها فجأة.
إن آلية القانون إذا كشفت عن "كيان" يقوم بإجراءات مناقضة للقانون، فحينها يمكننا أن نتحدث عن "منظمة متسربة في الدولة" أو "دولة موازية"، وإلا، فإن كل ادعاء يصب في هذا الاتجاه، لا يعني سوى رغبة صارخة ونية واضحة في تجميع واستئثار سلطة القضاء والتنفيذ والتشريع في يد واحدة، واستخدامها وفقاً للمصالح الشخصية، وتلك هي الطامة الكبرى.
علي اونال
http://www.zaman.com.tr/ali-unal/camia-ve-paralel-devlet_2191632.html