الإعلام تايم-تشرين
كل يوم يتأكد أن الحرب التي شُنت "لإسقاط" الدولة السورية, كانت العملية المؤسسة لإعادة تشكيل المنطقة, وفق المصالح الصهيو-أمريكية, أي لم تكن احتجاجات شعبية ضد الحكم, رغم استثمار المحركين الغربيين لبعض المظالم, بل كانت حرباً أراد الغرب الاستعماري منها أن تحرق الاستقرار, وتفجر الاستقلال, وتبعثر الكيان, متوهمة أنها بذلك تصبح حرة في إعادة تشكيل المنطقة برمتها, انطلاقاً من سورية, ولكنّ السوريين أسقطوا العملية وكسروا المؤامرة وهزموا كل الأذرع الغربية من فصائل مسلحة وإرهابية, ومن فرق سياسية موظفة في هذه الحرب… لذلك نشهد تصعيداً غربياً صهيونياً يحاول التعويض.
حكومة نتنياهو تهدد بحرب ضد سورية ولبنان, والذريعة أن البلدين يطوران قوتهما الصاروخية, وكأنه ممنوع على الدول أن تتقوى, وإدارة ترامب تهدد بالعدوان على سورية, والذريعة أكاذيب مصدرها إرهابيون يعملون في خدمة المخابرات الأمريكية تتحدث عن أسلحة كيميائية مزعومة, لكن "إسرائيل" تعرف أن محور المقاومة في سورية ولبنان, سيجعل أي عدوان إسرائيلي بوابة جهنم على الكيان الصهيوني ووجوده, وهذا ما يجعل نتنياهو يلجأ إلى روسيا محاولاً تحييدها فيجد رد الرئيس بوتين واضحاً وقوياً (أي مغامرة عسكرية إسرائيلية ستجعل التهديد يطول أسس الأمن الإسرائيلي ولا أحد يضمن لكم النتائج) ومضمون كلام الرئيس الروسي, يمكن ترجمته إلى لغة شعبية تقول: (انتبهوا.. اللعب بالنار هذه المرة لن يحرق أصابعكم بل سيشعل النار في رأسكم)… وكما نتنياهو تماماً تفعل إدارة ترامب, وهي تدّعي أن الكذب الذي حصلت عليه من بعض إرهابييها حول "سلاح كيميائي سوري", هو أمر لن تسكت عليه, وهنا يظهر ماكرون الفرنسي الباحث عن دور الجنرال غورو, عندما جاء إلى سورية ليقسمها فأسقطته وردته خائباً, وهذا الدرس يحتاج ماكرون لتذكّره كي لا يخيب بهزيمة كهزيمة جده غورو, أن ترامب المدمن على الإفلاس سيخسر (الصفقة) في سورية حتماً لا لشيء إلا لأنه يظهر أن السياسة ليست إلا صفقة عقارية, تغلف وتسوق بالكذب, وها هو وإدارته, ينشران الأكاذيب ليشعلا المنطقة متوهماً أن الصفقة ستنضج لمصلحته, ناسياً أن في سورية عوامل قوة تُسقط أي صفقة, لأن السوريين يرون ويعتمدون السياسة باعتبارها طريق كرامتهم واستقلالهم وسيادتهم ووحدتهم, لذلك أي نار تقترب منهم سيردونها لتشعل الصفقة في روح المقاول ومخططاته, فهل من فرصة لادعاءات ترامب الكيميائية, وهل من مجال لصفقته؟
ترامب, كسمسار عقارات طامع, سمى تاريخه الشخصي, وسيرته الحياتية التي سطرها في كتابه سماهما (الصفقة), مستمدّاً الاسم من هوسه بالمضاربة والمقامرة.
وللمصادفة المعبرة جاءت التسمية متطابقة مع اسم مخطط أمريكي صهيوني يهدف إلى تفتيت المنطقة العربية وإنهاء القضية الفلسطينية, سمي بـ (صفقة القرن) وهذا المخطط الذي يريد تقسيم المنطقة إلى كيانات طائفية متقاتلة, لتبقى "إسرائيل السيدة" في المنطقة, كما يهدف لإلغاء فكرة حق عودة اللاجئين (ألم يبدأ بإلغاء الأونروا) كي لا يبقى مطلب بالعودة إلى فلسطين, ولتحقيق ذلك سيرحّل الفلسطينيين إلى سيناء, وسيستمر في الحرب ضد سورية ولبنان ومحور المقاومة عموماً,- لضمان- استمرار "إسرائيل" كياناً صهيونياً عنصرياً فاشياً, يتحكم في المنطقة, ويدير عملية الاقتتال الطائفي المذهبي الأقوامي في المنطقة… ولا شيء يعطل هذا المخطط مثل انتصار سورية على الحرب الإرهابية، واستعادتها عافيتها, وانطلاق إعادة الإعمار فيها… وهذا ما جعل المبعوث الأمريكي يعلن أن (صفقة القرن ستنفذ في العام 2018) وهو ترجمة وفضيحة لادعاءات إدارة ترامب حول "كيميائي" سورية, كما أنه كشف حقيقة ادعاءات نتنياهو, وكل شيء يقول: إن ( أصل كل ما يجري, هو صفقة القرن, وأن جعل "إسرائيل سيدة" المنطقة هو السبب والهدف).. وهذا ما سيؤدي بصفقة ترامب إلى إفلاسه, وهذا ما سيجعل نتنياهو يقع على رأسه، لأن في المنطقة وبدءاً من سورية قوة اسمها محور المقاومة.
د. فؤاد شربجي