الإعلام تايم- تشرين
1-الوثيقة الاستعمارية
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن ورقة إلى دي ميستورا باعتبارها حسب زعمهم "خريطة طريق" لحل الأزمة في سورية.
إضافة إلى أن هذه الوثيقة تتعارض كلياً مع مضمون القرار الدولي 2254, وعدا عن رفض بعض المعارضات لها, وبالتأكيد رفض الدولة السورية والشعب السوري القاطع لها شكلاً ومضموناً ومصدراً, فإن هذه الوثيقة تؤكد بوضوح ما كنا نتحدث عنه في كل مكان من أستانا إلى جنيف وفيينا, وفي كل خطابنا السياسي أن الأطراف التي تآمرت على سورية وسلّحت وموّلت المجموعات الإرهابية هي الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها في هذه الوثيقة, إضافة إلى تركيا بالطبع, وأن هذه الدول لم تسعَ يوماً إلى الحل السياسي إلا إذا تضمن ما يؤكد تدمير الدولة السورية وتفتيتها وإضعاف دورها وفاعليتها.
ربما في أوقات سابقة كانت الأمور أكثر تعقيداً في فهم ملابسات وأدوار الأطراف بالنسبة للبعض, ورغم شروحاتنا المستمرة كان هناك من يعتقد خلاف ما نقول, لكن هذه الوثيقة أكدت صوابية تحليلاتنا منذ البداية ومعلوماتنا في مراحل الحرب كلها عن دور هذه الدول ومدى تورطها في الحرب علينا.
كان الشيطان كامناً في التفاصيل، لكن اليوم, وبفعل هذه الوثيقة, كشف الشيطان ذاته عن استقالته من التفاصيل ليظهر علانية وجهه القبيح ويقول للجميع: نعم هذا هو المشروع الأمريكي -الصهيوني ضد سورية الشعب والدولة.
إن الموقف من الوثيقة أضحى أيضاً علامة بارزة في التمييز بين الوطني وغير الوطني, لأنها تشكل أولاً تدخلاً خارجياً صريحاً في الشأن السيادي السوري من دول عرف ماضيها الاستعماري والإمبريالي والعدواني ضد شعوب كثيرة ودول كثيرة ومنها سورية, وثانياً لأن الوثيقة تتناقض بشكل صارخ وفاضح مع معايير ومبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي, وثالثاً لأنها تشكل إنكاراً ظاهراً وعلنياً للقرار 2245 بكل مندرجاته.
لقد أسقطت هذه الوثيقة ورقة التوت عن هؤلاء الذين سبق أن مارسوا العري السياسي والعهر السياسي مرات ومرات وتلطوا خلف يافطات القانون الدولي واحترام القرارات الدولية وضرورات الحل السياسي.
لذلك نقول: إن كل من يرى في الوثيقة حتى مجرد جهد للبحث عن حلٍّ سياسي إنما ينتمي لخيار التآمر والخيانة واللاوطنية, هذا إذا كان يفقه في السياسة شيئاً, وليس مجرد منفذ لما يؤمر به ويفرض عليه.
لا أحد عاقلاً يرى ذلك إسهاماً في الحل السياسي, ولا أحد سياسياً يرى ذلك عملاً عاقلاً.
حماقة من أعد الوثيقة أكثر تجلياً من خبثه لأن مثل هذا السلوك يضيف إلى رصيد مصداقيتنا في تقييماتنا للواقع والأحداث ولا يخسرنا شيئاً سواء في السياسة أو في الحرب.
وفي مطلق الأحوال بات جلياً أننا في سعينا عبر المسار السياسي المفضي إلى حل سياسي نتصرف بعقلانية وحكمة ووطنية واستناداً إلى المصالح الوطنية العليا, وأن حديث الآخرين عن الحل السياسي كان ومازال مجرد تعمية سياسية عن طبيعة المشروع التآمري لا أكثر ولا أقل, ويكشف عن جهل معدّي الوثيقة وحكوماتهم بطبائع السوريين التي تجمع بين الصبر والمقاومة, فنحن قوم نتحلى فعلاً بصبر استراتيجي يتجلى في المقاومة العنيدة والثبات والصمود الأسطوري.
هذا تاريخنا حاضر, وهذا حاضرنا واضح, وذاك مستقبلنا المشرق بانتظارنا, فلنفعل كل ما يجب فعله كسوريين، لنكون جديرين باستحقاق هذا الوطن جدارة لها تكلفتها وتحدياتها ولها أيضاً فرسانها.
2- عفرين
منذ بداية المؤامرة على سورية والحرب التي تعرضت لها قلنا وكررنا القول مراراً: إن الوحدة الوطنية ووحدة أراضي سورية خط أحمر, وإن الشعب والقوات المسلحة السورية سيحرصان على إفشال أهداف الحرب وإسقاطها مهما كلف ذلك من ثمن.
وها هو الجيش العربي السوري يثبت أنه جيش الوطن والشعب, ويقاتل على أكثر من جبهة, ويقدم التضحيات من أجل وحدة البلاد ومن دون تفريق بين شبر وآخر في قيمته وأهميته من شرق الفرات إلى غربه, ومن الشمال إلى الجنوب، كلها أرض سورية عزيزة.
الوجود العسكري الأمريكي والغربي والتركي على أي شبر وفي أي منطقة سورية هو انتهاك لسيادة الدولة وللقانون الدولي ويجب التعاطي معه وفق هذا المبدأ.
ومن يقاتل التركي في عفرين, لأنها أرض سورية وهو جزء من الشعب السوري, يجب عليه أن يطرد الأمريكي والغربي من شرق الفرات لأنها أيضاً أراض سورية، ولا تصحّ الازدواجية في المواقف وليست هناك جملة تقال لتبرر تناقض المواقف على ضفتي النهر.
لقد كان واضحاً منذ زمن أن ما يسمى "الجيش الحر" و"هيئة تحرير الشام" و"جبهة النصرة" والأسماء الأخرى هي صناعة خارجية وولاءاتها معروفة، وأن "داعش" حظي- ولا يزال- بالغطاء الأمريكي, كما تحظى "جبهة النصرة" بالغطاء التركي, فكيف يكون التركي مرفوضاً والأمريكي مقبولاً؟!
الجيش العربي السوري يواجه "داعش" و"النصرة" ومجموعات أخرى إرهابية مواجهة واضحة العناوين والمؤشرات والنتائج، وسيواجه كل غازٍ ولو بعد حين دفاعاً عن سورية ووحدة ترابها وشعبها.
السوريون الأكراد جزء لا يتجزأ من شعبنا, وعفرين والقامشلي والرقة كذلك هي جزء من أرضنا، وهذا يعني أن على السوريين جميعاً خوض المواجهات تحت عنوان وحدة الموقف والأداء, وتحت عنوان وحدة الفهم والمفهوم, وفيما عدا ذلك لا يستوي أي تبرير أو تأويل.
إن قضايانا واختلافاتنا كسوريين كانت دائماً من النوع الذي يمكن حله بالحوار والنقاش والاقتناع تحت عنوان مصالح الدولة العليا، والقيادة السورية, التي تحدثت بذلك منذ اللحظة الأولى, بقيت عند قناعاتها ولا تزال.
لا أحد أحرص من القيادة السورية على السوريين جميعاً, ولا أحد أقدر منها على فهم الاحتياجات والضرورات والحلول، فلماذا يرى البعض غير ذلك؟ ولماذا يكون الوجود الأمريكي مقبولاً والتركي مرفوضاً عند البعض؟.
ومن الذي يصدق أن دولة في "الناتو" تختلف مع دولة أخرى في الملف ذاته؟ وما أهمية هؤلاء البعض بالنسبة للأمريكي أو التركي؟
الذخائر والأسلحة التركية المستخدمة هي صناعة أمريكية, والأقمار التجسسية الأمريكية تقدم للتركي لحظة بلحظة الخدمات اللوجستية العسكرية، ومع ذلك نسمع أقوالاً تدافع عن الوجود الأمريكي وتزينه تحت عناوين تشكل في مجملها هرطقة سياسية.
أي مقامرة يمارسها هؤلاء البعض وبمن يقامرون, ببلدهم سورية وبالسوريين جميعاً، ولحساب من؟!
إن التطورات الحالية تؤكد أن الشيطان قد استقال من التفاصيل وأظهر وجهه واضحاً وعلانية بنية تقسيم سورية ليس من أجل فئة أو لحساب فئة أو ضد فئة، بل من أجل أحلام المشروع الصهيوني وتطلعاته.
إن الجيش العربي السوري والقيادة السورية يعرفان واجباتهما جيداً, ويقومان بفعل ما يجب فعله من أجل سورية، سورية التي نريد ونتطلع إليها هي سورية الموحدة بأرضها وشعبها، القوية القادرة الممانعة، وهذا الأمل ممكن وسيتحقق عاجلاً أم آجلاً.
لسنا الرجل المريض ولن نكون، ولسنا لقمة سائغة لأحد ولن نكون، والثمن الذي دفعناه لن يذهب هدراً.
لا محل لأحلام أحد على أرضنا غير أحلامنا نحن السوريين جميعاً، نحن قوم نعرف ما نريد جيداً، لدينا ثوابت ومبادئ وطنية وقومية لا نتراجع عنها ولا نساوم عليها.