يقتضي فقه السياسة الأمريكية أن تسخر الأدوات على اختلاف أنواعها خدمة للمصلحة العليا خارج حدود الولايات المتحدة قبل داخلها، دعمٌ للفوضى هنا وغزو هناك، وعداء لمن يعادون المصالح، تقابله محاباة على أقل تقدير لمن يسير على طريق مصالحها نفسه، وتختبئ تحت عباءة شعارات واشنطن التي تطلقها نصرة للسلام في أنحاء العالم كافة أفعال لا تقيم للإنسانية وزناً إلا إن كانت على مقاس مصالحها، لا الاستقرار في الشرق يعنيها، ولا حدود الدول القريبة من روسيا أو البعيدة تشكل هاجساً إلا إن اقترب ذلك كله من أهدافها الاستراتيجية الثابتة، وعلى هذا كان تبني الفوضى الخلاقة عام 2006.
تتمثل أهداف واشنطن الاستراتيجية الثابتة بحسب ما أورده مقال لإبراهيم الأبرش في صحيفة رأي اليوم في ضمان أمن الكيان الصهيوني، وتفوقها عسكرياً على كل الدول العربية، وضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وما يهدد أو يمكنه أن يهدد هذين الهدفين هو وحدة الأمة العربية أو أي حالة عربية متحررة من الهيمنة الغربية وتعادي "إسرائيل"، وعلى هذا فإن في إضعاف العرب -حتى من الحلفاء المفترضين- مصلحة لأمريكا والكيان، وهذا ما يفسر دعمهم فوضى ما سمي "الربيع العربي"، وكل الجماعات التي تشارك في هذه الفوضى وإن كانت متطرفة أو إرهابية، ويفسر الاعتداء الأمريكي المتكرر على الأرض السورية ودعم واشنطن الإرهاب على الأرض الذي اقتص من الشعب السوري أكثر من عقد.
ولكنّ واشنطن -وبحسب ما جاء في موقع أتلانتيك كاونسيل الأمريكي- تفتقر إلى سياسة واضحة في ما يتعلق بسورية على الرغم من إنفاقها مليارات الدولارات في الحرب عليها، وأكد الموقع أنه ليس هناك هدف واضح لواشنطن في سورية بالرغم من استمرار وجود أمريكا عسكرياً في شمال شرق سورية.
ورأى الموقع أن على واشنطن ألا ترتكب أخطاءها في أماكن أخرى، لذا على إدارة بايدن تحديد سياسة واضحة لسورية، واعترف الموقع أن إيجاد سياسة أمريكية مناسبة وقابلة للتطبيق أمرٌ شديد الصعوبة الآن أكثر ممّا كان، فالجيش السوري استعاد مساحات شاسعة من الأراضي، والمفاوضات تسير ببطء، ومع مرور السنوات انحسر الاهتمام الدولي بالحرب هناك.
مآزق تقود إلى مآزق، هي نتائج الاستراتيجية الأمريكية العدائية في المنطقة، إذ إنها ورغم ما تحققه لمصالحها بممارساتها السياسية منها والعسكرية، فإنها تقدم نفسها على أنها الخطر الأكبر المحدق بشعوب المنطقة.