الإندبندنت -الإعلام:
المعركة من أجل يبرود قد انتهت، ولكن كنيستها الكاثوليكية اليونانية تمّ تخريبها بشكلٍ همجيّ من قبل المتمردين الذين كانوا يسكنونها سابقاً، شوارعها مفروشةٌ بالخراطيش ومنازلها تكلّلها ثقوب القذائف.
جنود سوريون جنباً إلى جنب مع مجموعة من مقاتلي حزب الله من لبنان شاهدوا الجنرال بادي علي يرفع العلم السوري يوم الاثنين، بعد فوات الأوان على إنقاذ جداريةٍ جميلةٍ في أقدم كنيسةٍ في سورية، كان قد غيّر معالمها رجال جبهة النصرة والجبهة الإسلامية.
الكنيسة الكاثوليكية اليونانية لـ"سيدتنا"، مكانٌ فيه العار، النسخ المحترقة من العهد الجديد، واللوحات المهشّمة بالسكاكين - العديد منها محاطٌ بشرائط من الذهب والنسيج الأحمر بجانب صليب المذبح المكسور – بالإضافة إلى الفسيفساء المنقوش على الجدران.
قد يسأل المشككون إذا كان الدولة السورية هي التي قامت بهذا العمل من تدنيس المقدسات – خدمةً لصورتها - ولكن تدمير هذا المكان مع أعمدته القديمة واقتلاع عيون القديسين من الفسيفساء، يستلزم حتماً أسابيع طويلة.
اعتدى الإسلاميون على فسيفساء القديس جورج والتنين – حتى أنهم اقتلعوا عيون التنين وكذلك عيون الفارس.
لا يمكنك أن تسمّي هذا التدنيس للمقدسات عاراً.
ولكن عليك أن تسأل كيف يمكن لسورية أن تصلح العلاقات بين مسلميها ومسيحييها بعد مثل هذا التخريب.
ربما كان الجواب أنها لن تفعل أبداً، على الرغم من أنه وفي فعل شجاعةٍ هائلة، حمى المسلمون المدنيون في هذه المدينة القديمة جيرانهم المسيحيين حتى النهاية.
أما بالنسبة للجنود السوريين، فقد دخلوا إلى البلدة بالآلاف.
لم يكن هناك جثثٌ متروكة - على الرغم من وجود الحيوانات المتعفنة بكثرة - ولكن الرجال الذين تحدثت إليهم بالأمس كانوا مقاتلين شرسين، وكانت وجوههم محروقةٌ من هواء الجبل بعد 13 يوماً من القتال.
وكذلك كان أعضاء حزب الله، الذين حدقوا باستغرابٍ نحو المراسل الإنكليزي، يطالبونه بعدم أخذ صورهم، ويقرّون بمرح بأنهم جاؤوا من وادي البقاع في لبنان، على الجانب الآخر من سلسلة جبال يبرود.
كانوا مزودين بمعداتٍ جديدة، بما في ذلك بنادق القنص وأجهزة الراديو "الإتصال"، فهذا ليس جيش رعاع، على ما يبدو أنّ الجيش السوري وحزب الله يعملان بشكلٍ شبه مستقلّ عن بعضهما البعض، وأنهما يبقيان مفصولين في الشوارع، على الرغم من أنهما يتشاركان الطعام، ويقفان لمشاهدة دبابتين جديدتين روسيتي الصنع تتقدمان إلى الساحة الرئيسية.
كيف يمكنك تسجيل تاريخ الأيام الـ 13 الماضية - أو بالأحرى قصة الصبي الصغير الذي عاش كل أشهر عمره الـ 15 تحت حكم الإسلاميين - عندما لم ينقذ أحد أولئك الذين يعيشون هنا وكان المقاتلون المتمردون بينهم شاهدين على معاناة يبرود لأكثر من سنتين؟.
الطريق إلى المدينة ممزقة، المباني والمحلات التجارية والمخازن منهوبة، والشعب يختبئ من الخوف.
وجدت إمرأة واحدة فقط في شارع من المنازل العثمانية القديمة، جدرانها مصنوعة من الطين والماء، وقالت أنها لا تزال تحتفظ بالأبقار في قبوها.
تحكي أم قصي، كيف أنها نظمت، مع 70 امرأة أخرى، مظاهرة في الشارع ضد مسلحي جبهة النصرة، وبعضهم لا يتكلم اللغة العربية.
"لقد هدّدونا وحاصرونا وقالوا لنا أنه لا يمكننا الثبات، وقالوا أنه علينا عدم استخدام اسم بشار الأسد ولكننا قلنا أننا لا نريد أي أجنبيّ في سورية، ثم نظّمنا مظاهرة أخرى، وكنا 10 فقط، فحاصرنا 200 من مسليحهم.
ثم نظّم المقاتلون مظاهرة خاصة بهم، وصنعوا شريطاً وبثّوه على الراديو الخاص بهم، مدعين أنّ زعيمة مظاهرتنا عميلة للحكومة. وضعوا مسدساً في رأسها، ولكن الشريط كان مزيفاً".
كانت هناك تعليقات أخرى وكانت مقلقة للغاية. فقد ادّعت أم قصي أنّ ارهابي جبهة النصرة – الذين كانوا مثلها من المسلمين - أجبروا الناس في المدينة على دفع أسعار عالية للطعام الذين كانوا يحضروه، وكان المسيحيون يدفعون أسعاراً أعلى كضريبةٍ بسبب دينهم، وكان الكثير من المواد الغذائية، كما قالت، عبارة عن مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة تدخل عبر الحدود مع لبنان - ومن مخيمات اللاجئين.
في زاوية أحد الشوارع، تقدّمتُ نحو القائد الميداني للجيش العربي السوري الذي كان قد ضرب طريقه إلى يبرود، العقيد مديان عبادة.
وصف لي معركةً على مرحلتين – كان ضجيج القصف لا يزال بعيداً في السفوح فوق النقطة التي كنا نقف فيها - والذي سوف يتحرّك بالتأكيد إلى بلدة رنكوس ، حيث لا تزال جبهة النصرة صامدة هناك.
ولكنه كان يصرّ على شيئٍ واحد: بلدة عرسال اللبنانية – والتي هرّب عبرها االمسلحون الكثير من الذخيرة إلى سورية – قد حوصِرت الآن وراء الحدود اللبنانية، ليشكّل حصارها ضربةً أخرى للمعارضة المسلحة.
وكان الجنود السوريون يقاتلون لمدة يومين بلا نوم، لكنهم كانت تظهر عليهم مظاهر إيمانهم بأنهم سيفوزون - وهذا قد يكون في الواقع حقيقي.
ومن ثم تمّ رفع العلم وجميع إشارات "النصر"، "الشجاعة " و"البطولة ". خطب الجنرال - لماذا جميع الجنرالات يلقون نفس الخطابات؟ - ولكن الملصقات القديمة لا تزال على الجدران.
وحمل أحد الملصقات عنوان "حزب التحرير الشعبي في يبرود"، وكُتب عليه: "إذا كنت صبوراً وكرّست حياتك لله، فإن مكر أعدائك لن يؤذيك".
ولكن الكثير من الأذى قد لحق بالمسلحين في يبرود، وعلى نحوٍ غير عادي، اعتقل السوريون بعض الأسرى، إلا أنني لم أرَ أياً منهم.
وقال الضباط السوريون إنهم عثروا على جوازات سفر مصرية وإماراتية في البلدة، وقالوا إنها جوازات حقيقية، وإنها أخذت من جثث أصحابها.
وكان من بين الأسماء عبد الرحمن محرز قائد لواء أحرار الشام، كما كان هناك تونسياً اسمه محمود عثمان البرشا، بالإضافة إلى محمد القديني، زعيم لواء مغاوير القلمون، عمر سليمان خزنة، زعيم لواء فجر الاسلام.. والقائمة تطول.
يبرود هي - أو كانت - بلدة غنية، من بين عائلاتها العديدة التي غادرت سوريا، عائلة الرئيس كارلوس منعم في الأرجنتين، الذين زار بلدته في 23 تشرين الثاني من العام 1994، ويوجد هناك نصبٌ تذكاري لهذا الحدث، مغطىً بالعلم الأخضر والأبيض والأسود التابع لما يسمى "الثورة" السورية.
ربما سوف تدفع تلك الأسر لإعادة بناء هذه المدينة، ولكن من الذي سيدفع لإعادة بناء سورية؟
يبرود الآن تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ سورية، محطمة، مدمّرة، تملأها الشظايا. وستعتبر، بلا شك، انتصاراً شهيراً.