نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" تحليلاً عن طرق محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي عبر الانترنت، جاء فيه:
إن الاهتمام الإعلامي الذي يحيط بصعود تنظيم "داعش" الإرهابي يركز بشكل كبير على الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة، لكن نظراً لأن نفوذ التنظيم يتجاوز ساحات القتال في العراق وسورية، فمن المهم أيضاً أن تمتلك الولايات المتحدة استراتيجية متماسكة لمواجهة هذه الجماعة على وسائل الإعلام الاجتماعي، وذلك بحسب ما أفادت عضو "مبادرة أمن الأطلسي" لمركز سكوكروفت برنت للأمن الدولي التابع لمركز الأطلسي الأمريكي، أليكسا ليبك.
وأشارت الباحثة إلى أن هناك دورة أخبار على مدى أربع وعشرين ساعة وشبكة إنترنت تنشر فيديوهات الإعدام وقطع الرؤوس الفظيعة للتنظيم في كل مكان، ولم يتطرق خطاب الرئيس أوباما في 6 تموز في وزارة الدفاع حول استراتيجيته لمكافحة التنظيم، على سبيل المثال، إلا لجزء يسير من تأثير فيديوهات تنظيم "داعش" الإرهابي التي تبين قطع الرؤوس.
وشدد أوباما في خطابه على أهمية وجود استراتيجية لمواجهة أيديولوجية التنظيم بحيث تتسم بتجاوز الاستراتيجية العسكرية، ومع ذلك، لم تعلن الإدارة الأمريكية بعد عن أي تدابير ملموسة للتصدي لحملة التنظيم على وسائل الإعلام الاجتماعي.
وحاول الاتحاد الأوروبي معالجة هذا الضعف من خلال فرقة عمل جديدة تُدعى وحدة مرجعية الإنترنت للاتحاد الأوروبي (EU IRU) لكنها لن تحقق أي تقدم حقيقي في جهودها عبر الإنترنت ضد التنظيم لأن أهداف هذه الوحدة في غير محلها، برأي التحليل.
وذكر روب وينرايت، مدير جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول"، أن الهدف من وحدة EU IRU هو تعقب وإزالة المحتوى المنسوب لداعش عبر الإنترنت، وبدلاً من العمل مع شركات وسائل إعلام اجتماعي لخلق حوار مضاد لأفكار التنظيم على الإنترنت، وهو المجال الذي يشكّل نقطة ضعف لدى الحكومات، يخطط الاتحاد الأوروبي أن يلعب لعبة تقنية غير مجدية، حيث يحاول إزالة حسابات تويتر المنسوبة لداعش وعددها 90 ألف حساب.
تقول الباحثة إن على الرغم من أنه من المغري إزالة المواقع وحسابات وسائل الإعلام الاجتماعي للجهات التي تنشر أيديولوجية تنظيم "داعش" الإرهابي، فمن المستحيل وقف أفكار هذه الجماعة من الظهور مع حسابات جديدة،وأضافت الباحثة، لقد عززت طبيعة الإنترنت نوعاً جديدة من حرب العصابات، التي تستطيع فيها داعش تجنيد أشخاص من جميع أنحاء العالم، فمن الواضح أنه لا يوجد حل بسيط، لكن هناك طريقتان يمكن أن يتبعهما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي على وسائل الإعلام الاجتماعي:
أولاً، الاستفادة من المعلومات المخابراتية مفتوحة المصدر
يجب على الاتحاد الأوروبي عدم إزالة الحسابات أو الرسائل التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، ولكن يتوجب عليه بدلاً من ذلك العمل مع القطاع الخاص، وبخاصة شركات وسائط الإعلام الاجتماعي، لتوظيف رسائل تنظيم "داعش" الإرهابي نفسها ضد الجماعة، يمكن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي كجهاز تتبع ونافذة على حراك المنظمة، وبالتالي تكون أكثر ضرراً على التنظيم مما نتوقع، حتى لو كان ذلك ممكناً، فمحاولة إزالة كل "تغريدة" أو "صورة" من شأنه أن يمنع الجيش الامريكي وحلفائه من استغلال أخطاء التنظيم تماماً مثلما فعلت الطائرات الحربية الأمريكية في حزيران عندما هاجمت مركز قيادة وتحكم بعد يوم من الكشف عنه في رسالة على وسائل الإعلام الاجتماعي.
إن التحليل الدقيق للمحتوى والتوقيت وتواتر الرسائل يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء أو حتى التنبؤ بالمواقع، والحركة، وعدد الوفيات، وأنماط أخرى من المعلومات التي لا تقدر بثمن بالنسبة للقوات المقاتلة في الميدان.
لقد ساعد تقرير مجلس الأطلسي الذي يُدعى Hiding in Plain Sight في أن يقوم الخبراء باستخدام تقنية تحديد المواقع لتحديد مواقع القوات والأسلحة الروسية في أوكرانيا، مما ساعد على تأكيد القيمة الهائلة للمعلومات المخابراتية مفتوحة المصدر، إن تقنية تحديد الموقع الجغرافي وغيرها من التقنيات، إلى جانب تحليلات البيانات الكبيرة، يمكن أن يكشف عن معلومات حاسمة مثل الدور الذي يلعبه زعماء أي منظمة على الأرض من خلال ما يكتبونه على وسائل الإعلام الاجتماعي، أو الكشف عن أي مؤشرات على هجمات التنظيم في المستقبل.
ولفتت الباحثة إلى أنه يتم إعطاء اهتمام كبير وتخصيص عدد كبير من الموظفين وتحديد ميزانية كبيرة من أجل وضع استراتيجية عسكرية لمواجهة تنظيم "داعش"، لكن لا تتضمن وحدة الإنترنت للاتحاد الأوروبي IRU إلا خمسة عشر خبيراً يعملون في وسائل الإعلام الاجتماعي، مؤكدة على ضرورة تخصيص الاتحاد الأوروبي المزيد من الموارد لهذه الوحدة وإعادة ترتيب أهدافها لتتبع وتدرس دوافع وطريقة عمل زعماء الجماعة الذين يتم اكتشافهم على شبكة الإنترنت.
ورأت الباحثة أنه سيكون من الحكمة أن تحذو الولايات المتحدة حذو الاتحاد الأوروبي وتخصص المزيد من القوى العاملة وتستفيد من المصادر المفتوحة لتحليلات وسائل الإعلام الاجتماعي التي باتت شركات وسائط الإعلام الاجتماعي متقنة لها بالفعل.
ثانياً، تعزيز التفاهم وقبول المجتمعات الإسلامية
بدلاً من أن يكون رد الفعل هو إزالة الحسابات بمساعدة شركات وسائل الإعلام الاجتماعي الخاصة، ينبغي استخدام خبراتها في بناء حملة مكافحة رواية وسائل الإعلام الاجتماعي، وينبغي لوكالات الاستخبارات الأمريكية تكريس طاقاتها لتحديد ورصد المقاتلين الأجانب المحتملين أو الإرهابيين المحليين، لكن ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها التركيز بالقدر نفسه على تثقيف الجزء الأكبر من السكان الذين يبتعدون عن الإرهابيين المحتملين، ويجب على الولايات المتحدة إنفاق المزيد من الوقت والمال لتعزيز التفاهم وقبول المجتمعات الإسلامية.
وبحسب الباحثة، ستستمر "داعش" في دعايتها لجذب عدد محدود من المجندين، ولكن أفضل طريقة لوقف المقاتلين الأجانب عن مغادرة أوطانهم أو العودة من ساحات القتال للتخطيط لهجمات في داخل أوطانهم هو خلق بيئة أكثر قبول من الخطاب الذي يرونه على الإنترنت، يجب أن يكون هذا، على الأقل، على رأس جدول أعمال صناع القرار عندما يناقشون كيفية وقف الأهداف طويلة الأجل لتنظيم "داعش".
ليس من الكافي التخلص من المحتوى المفزع الذي تبثه "داعش" على شبكة الإنترنت، تقول الباحثة، فنحن بحاجة إلى تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية في المجتمع الإسلامي والأقليات الأخرى في بلداننا، وتعتبر وسائل الإعلام الاجتماعي أفضل السبل التي تساعدنا على البدء في هذا المسعى.
مركز الإعلام الإلكتروني