تنام "إسرائيل" على وسادةٍ أميركية هانئة البال، إذ إن في ظهرها حامياً ينتفض لينصر ظلمها على الشعوب العربية، لا سيما الشعب الفلسطيني، وليست نصرة بالقول والشعارات فقط، إذ لا توفّر الولايات المتحدة لحظة أو مناسبة إلا وتستثمرها لدعم العدو الصهيوني.
مواقف وقرارات وعون وسلاح وكل ما يمكن أن يخطر على البال توفره أميركا لراحة الكيان المزروع في قلب الوطن العربي، ومن الطبيعي أن تكون وسائل إعلامها أداة جدية في سبيل نصرة الكيان.
وسائل الإعلام الأميركية بشقيها التقليدي والجديد تركز منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة على مسألة واحدة، وهي استخدام كل الأوراق والأدوات لتبرئة "إسرائيل" من كل ما تقوم به من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، مستخدمة كل أساليب الحرب الناعمة وأدواتها، والتلاعب بالمعلومات أو إعادة ترتيب الأحداث وإهمال خلفيتها، وخلط الصحيح بالمزيف منها والإيهام والتدليس واستخدام الأخبار المزيفة وإسقاط المصطلحات بالطريقة التي تناسبهم وتناسب مصالحهم وقلب الصورة والحقائق بهدف منع إيجاد توافق عالمي ضد الكيان الصهيوني، وربط كلمة حماس بـ "الدواعش" وصولاً إلى الاغتيال الجسدي لكل صاحب رأي مؤثر ولكل من ينقل الحقيقة وينشرها.
هذا بالضبط ما نفذته مؤخراً ضد طاقم قناة الميادين حيث تم هذا الاستهداف بشكل مباشر ومتعمد، وفق ما أكده الأستاذ غسان بن جدو تعقيباً على الجريمة التي ارتكبها العدوان الصهيوني بحق شهداء الحق والكلمة في الميادين بالقول إن "إسرائيل" لن تنجح في إسكات عملهم الصحفي وتغطيتهم لـ"جرائمها التي ترتكبها في غزة والضفة الغربية وفلسطين ولبنان".
وفي تعليقه على الجريمة أكد وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري أن "إسرائيل" تضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط، معتبراً أن ممارساتها تفتح الأبواب لما وصفه بـ"شريعة الغاب وأنها ترى في كل ما هو أمامها فريسة، ولا تميز بين بشر وحجر".
لعل استخدام المصطلحات واللعب عليها هو من أبرز الأدوات التي تستخدمها الإدارات الأميركية والأوروبية على حد سواء، ويلعب الإعلام الغربي والأميركي دور الناشر والمتبني لتلك المصطلحات، في محاولة لمحو عمليات القتل الجماعي وجرائم الحرب التي ترتكب بحق الفلسطينيين، فهم يصفون ما تقوم به "إسرائيل" من إجراءات لا إنسانية بأنها تندرج تحت مسمى العقوبات الجماعية في حين أنها يجب أن توصف بأنها جرائم حرب وقتل جماعي وإبادة جماعية.
ولعل الدعم الأميركي غير المسبوق ظهر جلياً ومن دون خجل في هذه المرحلة، فالمطلوب أميركياً هو ضرب حماس وقوى المقاومة الفلسطينية بشكل جدّي ومن دون رحمة وعدم قبول أي شكل من أشكال الهدن والمبادرات السياسية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار.
كذلك كان الدعم الإعلامي غير المسبوق في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ وجود الكيان الصهيوني، ويبدو أن الوضع استلزم نشاطاً استثنائياً للمسؤولين الأميركيين الداعمين لهذا الكيان، بدءاً من النشاط غير المسبوق في الأمم المتحدة لمنع صدور أي قرار يدين "إسرائيل" أو يكون على حساب الصهيونية، وصولاً إلى العدد غير المسبوق لـ "زيارات الدعم" للمسؤولين الأميركيين والقادة العسكريين والكوماندوس للكيان الصهيوني ولقاء قادته، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تورط وتدخل مباشر للولايات المتحدة الأميركية في هذه المعركة، وتشير إلى الضعف الكبير الذي يعاني منه "جيش" الكيان الصهيوني، لذا كان لا بد من تدخل الدعم الأميركي بشتى أشكاله لإخفاء وستر عورة هذا الكيان الضعيف، ولا ننسى الدعم المالي الكبير الذي سيصل إلى أكثر من 14 مليار سيتم جمعها من الضرائب التي يدفعها الشعب الأميركي من جيوبه.
لا شيء دون ثمن
تشير تقارير عديدة صادرة من مختلف الجهات الإعلامية والبحثية إلى أن هناك أثماناً كبيرة قامت وستقوم الولايات المتحدة الأميركية بدفعها تشمل خسارات بمليارات الدولارات كانت قد دفعتها في إطار المساعدات المالية والعسكرية وخسارتها في مجال الطرق التجارية التي أصبحت غير آمنة للسفن الداعمة للكيان الصهيوني، وهناك خسارة في الداخل الأميركي الذي بدأ حجم استيائه يزداد كما تزداد طرائق التعبير عن هذا الاستياء نتيجة الدعم الأميركي غير المحدود وغير المشروط لـ "إسرائيل"، تضاف إلى ذلك خسارات في مسارات استراتيجية كان العمل يجري على دعمها وضمان ولادتها ونموها منذ سنوات خاصة مشروع التطبيع بين دول المنطقة العربية والكيان الصهيوني، وكذلك خسارة الشركات الناشئة التي غادرت وستغادر "تل أبيب"، ولعل أكبر الخسارات كانت في هذا المسار، تضاف إليها خسارة كبيرة في تعرية القوة الناعمة الأميركية وأدواتها التي تستخدمها في الساحة الدولية.
لعل أبرز ما يقلق الولايات المتحدة تعرض القوات والقواعد الأميركية اللاشرعية في الخارج لخطر كبير وخاصة في سوريا والعراق، الأمر الذي استلزم استعراضاً متصاعداً لمستوى التهديد واستعراض القوة بهدف منع أي قوة في المنطقة من التفكير في التدخل في هذا الصراع.
المصدر: موقع الميادين
د. منذر علي أحمد