منذ اليوم الأول للحرب الإرهابية على سورية، كانت الحرب الإعلامية أكثر أدواتها نشاطاً، شائعات وأخبار كاذبة ثم صور قد لا تدل على شيء جوهري بل تنشر فقط لبث الذعر والرعب في قلوب الناس، وفي هذه الحرب الإعلامية المستمرة لا يزال البعض عن جهل أو عمالة يحاول أن يجمل أفعال الإرهابيين ويصورهم فاتحين آتين لتخليص الناس ولا نعرف مما سيخلصونهم!
ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر فقد أصبح أولئك الإرهابيون، بحسب ما يُروَّج لهم، “مختلفين” أو على الأقل سلوكهم في تحسن، فالصورة التي يحاول الإعلام الداعم لهم أن يروجها عنهم بأنهم نسخة معدلة وإصدار جديد فهم لا يقطعون الرؤوس ولا يبقرون البطون ولا يسبون أو يبيعون نساء الأقليات في سوق النخاسة.
مما لا شك فيه بأن كل محاولات تجميل صورهم وتحسينها فشلت وستفشل فـ”القالب غالب” فالإرهابي يبقى إرهابياً! كل ما في الأمر أن تعليمات مشغليهم توجههم لكي يظهروا بمظهر الفاتح الحضاري، فالإعلام المرتزق يحاول إظهار الإرهابيين الذين هجموا على مدينة حلب هجوم التتار والمغول بصورة الثائر الذي استرد أرضه السليبة من المحتل المغتصب.
نعم لقد تحسن الإرهابيين القدامى وأصبحوا إرهابيين “مودرن” وتطعموا بنكهة غربية علمانية، نعم لقد تغيروا فقد حلقوا اللحى، وتطورت أدواتهم من قذائف إلى مسيّرات.. فهم حالياً لا يقطعون الرؤوس ويفصلونها عن الجسد بل يذبحون ويكتفون بترك الرأس يتدلى من الجسد.. طبعاً لقد تغيروا فأصبحوا حليقي اللحى بعد أن كانو يخضبونها بدماء الأبرياء.. وربما قريباً سيطورون الأقفاص التي اقتادوا فيها النساء في الشوارع ويلونها بلون وردي.. وفي هذه المرة لو أتيح لهم الأمر سيطورون الطريقة الوحشية التي قتل فيها الطيار الأردني معاذ الكساسبة وفنون القتل والتعذيب والتنكيل والأسر التي مارسوها خلال قيام دولتهم المزعومة.. نعم لقد تغيروا فبعد أن كانوا يغنمون بشكل عشوائي أصبحوا يغنمون بفتاوى شرعية تحلل لهم كل شيء.
لكل من يدعي ويروج بأنهم تحسنوا وسيحسنون الأوضاع نقول له أن يسأل نفسه هل تغيّر نهجه الثابت في عقولهم وقلوبهم؟ هل تجاهلوا فتاواهم التي تبيح القتل؟ هل تركوا الاعتداء على الناس من دون وجه حق؟ نقول بلا شك لا وألف لا فالإرهابي يبقى إرهابياً.. لا شك أن الإرهابي يبقى إرهابياً مهما تقادمت عليه السنوات ومهما تغير مشغلوه، لأن الفكر واحد والعقيدة واحدة، عقيدة الدم والسيف والإقصاء بل الموت أيضاً، وفي هذا السياق نستحضر ما كتبه الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية السورية: “الفصائل المسلحة ذات الصبغة الأصولية والمتشددة لا تصلح للسياسة ولا للحكم.. هذه بنادق يستخدمها البعض للتفاوض السياسي على صوت الرصاص.. لذا عندما يصل المتفاوضون لاتفاق.. يتم تفكيكها وحلّها والقضاء عليها.. للأسف.. مدنيون وعسكريون يدفعون ثمن هذه الحرب المجنونة من أرواحهم ومالهم… حرب كُتبت علينا بحكم التاريخ والجغرافيا والموقع والموقف..”
نعم هذا صحيح فهذه الفصائل الإرهابية التي اجتاحت حلب الحبيبة لا شك أنها لا تصلح للسياسة ناهيك بالحكم، بل إنها لم تفهم بعد كل تلك السنوات والتجارب بأنها مجرد بنادق بيد مشغليها يعلو صوت رصاصها كلما آن التفاوض، وإذا ما تم التفاوض وانتهى الحل بين الكبار سترمى بعد القضاء عليها كما حدث مع أمثالها، لكن المحزن في هذه المعادلة أن المدنيين والعسكريين الأبرياء هم من يدفعون ثمن غباء وتبعية تلك المجموعات.
حلب لم “تسقط”، بل إنها تحت سيطرة الإرهاب مؤقتاً، الدولة السورية لم ولن تتخلى عن هذه المدينة التاريخية العريقة ولا عن أي شبر من أرض سورية.. والحكم للميدان.
المصدر صحيفة تشرين
د. منذر علي أحمد