كتبت صحيفة الخليج الإماراتية في افتتاحيتها تحت عنوان " شتاء أوروبي "ساخن"!":
ربما لم تكن أوروبا بحاجة إلى هذا التماهي مع السياسة الأمريكية بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فتدخل طرفاً في الصراع إلى الحد الذي بات يهدّد الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي فيها، حيث بدأت إرهاصات شعبية ونقابية في معظم دول الاتحاد الأوروبي تشير إلى زلزال قد يعصف بها، نظراً للكلفة العالية لوقوفها إلى جانب كييف، ومشاركتها الولايات المتحدة في عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا، بدأت تداعياتها السلبية تنعكس على حياة ملايين الأوروبيين الذين يشعرون بأنهم يدفعون ثمن هذه السياسات.
كانت الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة) تعتقد أن العقوبات الاقتصادية القاسية على روسيا، ستُضعف قدراتها العسكرية، وبالتالي ستجبرها على وقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا، لكن ما حدث كان عكس ذلك، فروسيا صمدت واقتصادها صار أقوى، في حين كانت تداعيات العقوبات ثقيلة على أوروبا التي بدأت تئن تحت ثقل أزمات معيشية، وارتفاع في الأسعار، وحالة تضخم غير مسبوقة.
من الواضح أن المجتمعات الأوروبية التي بدأت تشكو من نتائج تورط أوروبا في الحرب، لم تعد قادرة على تحمل أعباء سياسات حكوماتها، إلى درجة أن الاحتجاجات بدأت تنتقل إلى الشارع في حالة انفجار شعبي، كما حدث في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبلغاريا وإسبانيا وهولندا، حيث نُظمت تظاهرات وقُطعت طرق بسبب ارتفاع كلفة المعيشة، وخصوصاً ارتفاع أسعار الوقود.
وكانت التظاهرة الضخمة التي جرت في العاصمة التشيكية براغ قبل يومين والتي شارك فيها أكثر من 70 ألف شخص، وهي الأضخم منذ عام 1989، احتجاجاً على سياسة الحكومة وارتفاع أسعار الطاقة مجرد نموذج لما يمكن أن يحصل في مدن أوروبية أخرى، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء الذي لا شك في أنه سيكون قاسياً على الأوروبيين، مع انقطاع النفط والغاز المستوردين بشكل أساسي من روسيا، حيث من المتوقع حصول تحركات شعبية ونقابية واسعة، ووقوع أعمال عنف قد تتحول إلى "ثورات"، كما تتوقع وزيرة التنمية في ألمانيا سفينيا شولتسه التي حذرت من خطر مجاعات، جراء ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية. وحذّرت في تصريح لصحيفة "أوجسبورجر الجماينة" من "اندلاع انتفاضات خبز، ومعها موجة جديدة من عدم الاستقرار". وأضافت: "كل الأسعار تقفز، واقتصاد أوروبا يخرج عن السيطرة"، في حين أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن دوريات عسكرية ستجوب الشوارع بدءاً من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تحسباً لاندلاع أعمال عنف واحتجاجات.
إن أوروبا تنتظر شتاء قاسياً لم تألفه من قبل، لكنه سيكون ملتهباً بالمظاهرات والاحتجاجات وربما بفوضى وأعمال عنف غير مسبوقة، ستنعكس على شكل أزمات سياسية قد تطال معظم الحكومات الأوروبية، كما جرى في إيطاليا، حيث أدت الأزمة إلى استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي.
فهل تعيد أوروبا النظر في حساباتها ومواقفها قبل شتاء سيكون عاصفاً مناخياً وسياسياً؟