في ظل التوترات المتصاعدة بين حزب الله وإسرائيل، وبعد عمليات الاغتيال التي طالت الأمين العام للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله وعدد من القيادات في الحزب نكون دخلنا في مرحلة تؤسس لما بعد عملية الاغتيال وتداعيات هذا العدوان التوسعي والغير محصور جغرافياً في لبنان، فالمنطقة بأكملها تقف بمواجهة كيان يدفع بجدية وإصرار نحو حرب إقليمية.
وبالرغم من كل هذه المعطيات هناك مؤشرات قوية تدل بما لا يدعو للشك أن حزب الله ذو الطبيعة الشعبية والبنية التنظيمية والمحدد بخيارات اقليمية ضمن محور المقاومة يمتلك القدرة على هزيمة إسرائيل في المواجهة المقبلة. وذلك استنادًا إلى عدة عوامل رئيسية مثل عنصر المفاجأة، الذي يبرع فيه الحزب بالإضافة إلى الروح المعنوية العالية لمقاتلي الحزب مقارنة بالروح المعنوية المتراجعة للإسرائيليين، تبدو إسرائيل في وضع صعب يجعل من هزيمتها ممكنة.
فعنصر المفاجأة والقدرات العسكرية غير المعلنة، يعد أحد أبرز العوامل فحزب الله، المعروف بامتلاكه ترسانة صاروخية متطورة، قد يكون قد طوّر أسلحة جديدة وغير معلنة يمكن أن تغير قواعد اللعبة في ساحة المعركة. الصواريخ الدقيقة والطائرات بدون طيار المتطورة والأسلحة المضادة للطائرات يمكن أن تفاجئ الجيش الإسرائيلي، الذي يعتمد بشكل كبير على التفوق الجوي والقدرة على التنبؤ بالقدرات العسكرية لأعدائه. حزب الله أثبت في الماضي قدرته على الاحتفاظ بمفاجآت عسكرية حتى اللحظة الحاسمة، مما يزيد من احتمال إرباك الجيش الإسرائيلي وإضعاف قدراته الدفاعية.
كما أن حزب الله يتمتع بدعم واسع من الشعب اللبناني، خاصة في المناطق الجنوبية. هذا الدعم الشعبي ليس فقط بالمعنى السياسي، بل يمتد إلى الدعم اللوجستي والمعنوي. الشعب اللبناني، الذي عانى من الحروب الإسرائيلية المتكررة، يقف خلف حزب الله كقوة دفاعية تحميهم من العدوان الإسرائيلي. هذا الدعم يعزز من قدرة الحزب على التحرك بحرية في المناطق المختلفة من لبنان، ويمنحه الشرعية اللازمة لمواصلة القتال لفترات طويلة دون التأثر بالضغوط الداخلية.
حزب الله ليس وحده في هذه المعركة، بل هو جزء من محور المقاومة الذي يشمل إيران، سورية، العراق، واليمن. هذه الدول ليست فقط داعمة سياسياً، بل تقدم دعماً لوجستياً وعسكرياً مباشراً. إيران، على سبيل المثال، تمثل القوة الداعمة الأساسية لحزب الله، حيث تمده بالأسلحة المتطورة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة. إضافة إلى ذلك، قوات المقاومة في اليمن والعراق يمكن أن تشكل جبهة ضغط إضافية على إسرائيل من خلال هجماتٍ محتملة أو دعم لوجستي في ساحات أخرى. هذا الدعم الإقليمي يعزز من قدرات حزب الله ويفرض على إسرائيل مواجهة متعددة الجبهات.
ولأن الحزب هو حزب عقائدي منذ نشأته يتحضر لهذه المعركة وبالرغم من الخسارة الجسيمة بغياب شخص الأمين العام والقادة الكبار في الحزب إلا أن البنية التنظيمية والهيكلية لا تتأثر وهذا عامل قوة وبالتالي ولايوجد مشكلة تنظيمية ولا على الصعيد العسكري الدليل بأن عمليات المقاومة مستمرة.
الإسرائليون يعون ذلك جيداً وهدفهم من الاغتيال ضرب الرمزية لسماحة السيد حسن نصر الله وإرضاء لأمريكا التي ترغب بذلك بقوة، والتي بلا شك تعتبر الشريك والمحرض ومالكة أداة التنفيذ ومصدرة أمر التنفيذ فالطائرة التي نفذت وحملت القنابل القذرة تعود لها وهي من صنعتها وزودت اسرائيل بها وسمحت لها باستخدامها لقتل رمز ديني بمقام السيد الشهيد حسن نصر الله، طبعا كل تلك الأفعال لم ولن تؤثر على الروح المعنوية العالية لمقاتلي حزب الله والتي تمثل عاملاً حاسماً في أي مواجهة مقبلة. هؤلاء المقاتلون، الذين يرون في معركتهم قضية وطنية ودينية ووجودية، يمتلكون الدافع والإيمان بقدرتهم على الانتصار. وللتذكير فقط منذ تاريخ ليس ببعيد نجح حزب الله في تحويل الروح المعنوية إلى انتصارات فعلية، كما حدث في حرب 2006.
في المقابل، الجيش الإسرائيلي يعاني من تراجع في الروح المعنوية والضغط النفسي المستمر الناتج عن التهديدات المستمرة من قبل حزب الله، بالإضافة إلى الاحتجاجات الداخلية والأوضاع السياسية المتوترة داخل إسرائيل.
كما يلعب الوضع الداخلي المضطرب في إسرائيل دوراً في اضعافها فاسرائيل التي تعاني حالياً من انقسامات داخلية شديدة، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي. الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة الإسرائيلية، الأزمة الاقتصادية، والانقسامات حول القضايا السياسية تؤثر سلباً على تماسك المجتمع الإسرائيلي وتضعف قدرته على تحمل حرب طويلة الأمد. هذه الانقسامات تزيد من الخوف والقلق لدى المجتمع الإسرائيلي، مما يجعلهم أقل استعداداً لتحمل أعباء حرب شاملة ضد حزب الله. بالمقابل، حزب الله يتمتع بوحدة داخلية وصلابة قيادية تجعل من الصعب على إسرائيل استغلال أي انقسامات داخلية.
ناهيك عن الخوف والترهيب الدائم في المجتمع الإسرائيلي من هجمات حزب الله، خاصة مع امتلاك الحزب لصواريخ قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي، بما في ذلك المدن الكبرى مثل تل أبيب وحيفا وما بعدهما. هذا الخوف يضعف من صلابة المجتمع الإسرائيلي ويدفع بعض فئاته إلى المطالبة بتجنب الحرب، لا وحتى بلوم قادتهم لجرهم إلى حرب سيخسرون ويهزمون فيها. الإسرائيليون ونتيجة عدوانهم على لبنان ومقاومته سيعيشون تحت تهديد دائم من الصواريخ، مما يجعلهم أكثر هشاشة من الناحية النفسية أمام احتمال نشوب حرب جديدة. هذا الخوف يقابله الثقة العالية لدى مقاتلي حزب الله الذين يؤمنون بقضيتهم ويستعدون للتضحية في سبيلها.
و على الصعيد الدولي، الدعم للقضية الفلسطينية يتزايد، وإسرائيل تجد نفسها تحت ضغوط دولية متزايدة. في حين أن إسرائيل قد تحاول الحصول على دعم حلفائها التقليديين، مثل الولايات المتحدة، فإن المجتمع الدولي بشكل عام يعارض سياساتها التوسعية والعدوانية. هذا الدعم المتزايد للفلسطينيين وحزب الله يمكن أن يزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية ويضعف موقفها في أي نزاع مستقبلي.
وفق هذه المعطيات نحن أمام مرحلة مختلفة بكل التفاصيل وخيارات المقاومة هي التي ستحدد ملامح المرحلة القادمة وفق آلية عمل تنسجم مع الواقع والانتقال لمرحلة الرد واستمرار النهج ولا شك بأن خيارات المقاومة ستحدد ملامح المرحلة القادمة والتي هي النصر الذي يبدو خيار المقاومة الوحيد والأوحد.
د. منذر علي أحمد