لا تغفل عين دمشق عن الشمال، إذ بدأت خطوة مهمة باتجاه محافظة إدلب المختطفة من الإرهاب، ففتحت باب المصالحات الوطنية، لإنهاء معاناة الأهالي، وفتح الطريق أمام عودة الحياة الطبيعية.
اختارت الدولة السورية خان شيخون -المدينة المحررة من الإرهاب- مركز المصالحات الوطنية، لتكون أول مدينة في محافظة إدلب تحتضن مبادرة الدولة للمصالحات، ويرى حسام زيدان في مقال نشره موقع قناة العالم أن الربط يجوز بين إطلاق قطار المصالحات الوطنية، وبين الحراك السياسي الدائر في المنطقة لإنهاء ملفات عديدة ومنها قضية إدلب.
ويدرك الجميع -بحسب زيدان- أن توجه ملف المصالحة الوطنية نحو إدلب، يهدف بالدرجة الأولى إلى عودة النازحين الى قراهم المحررة، وتسريع إعادة إعمارها، وخلق بنية تحتية للاستقرار المفيد، وهي استراتيجية دقيقة من الدولة، تواجه ما حاولت قوى العدوان على سورية خلقه عبر الفوضى بكل مقاييسها وفق معادلات الحرب التي فرضت على البلاد، وبالطبع كانت تركيا جزءاً ومكوناً رئيسياً في معادلات الفوضى التي استثمرت كثيراً في هذا الملف، إلا أن الدولة السورية كانت تعمل بشكل معاكس، وهو تفكيك مجاميع الفوضى، التي شكلت الأداة الرئيسية للعدوان.
وتابع زيدان: بعد ترحيل كثير من عناصر هذه المجاميع إلى إدلب، حملت الدولة بهذه الخطوة فائض العنف والإرهاب على كتف الدولة التركية ومخابراتها وكل حلفائها في العدوان، ضمن فخ سياسي عالي الذكاء، وهنا بدأ الصراخ التركي من ثقل هذا الفائض، والذي تجاوز وامتد الى قضية الحدود واللاجئين والداخل التركي، ما مهد للدور الإيراني والروسي، ليعمل على استكمال تبريد واستقرار المنطقة، وإبعاد الأمريكي عن كل تلك الملفات التي نفذها عبر التركي وباقي الدول الداعمة للإرهاب، وجاءت فكرة ضامني أستانا، التي بدأت بتبريد المناطق ودفعها نحو الاستقرار والعودة لسلطة الدولة السورية، إن كان بالمصالحات أو بالحرب، ما فتح الباب واسعاً للتناقض الأمريكي التركي، والذي وصل إلى حد الخلاف، بعد أن أدرك أردوغان ان ليس كل المجاميع الإرهابية في إدلب تقع تحت سلطته، وأنه يواجه الأدوات الأمريكية الأخرى في ملف العدوان لتستدير بعدها بعض الدول نحو طلب التنسيق مع السلطات السورية، في مواجهة موجة ارتدادية من الإرهابيين نحو الدول الأوربية، لتتحول الدولة السورية إلى فاعل إقليمي رئيسي، في مواجهة القوى المتناحرة في إدلب، ولتأتي تحركات الدولة السورية المتناغمة، عبر الضغط العسكري والقصف المتواصل لكل المجاميع الإرهابية في ادلب، ومن ثم اطلاق المصالحة، لتضع يدها فوق الجميع.
وأضاف الكاتب: إن سنوات من الهجوم الاستخباراتي الكبير على سورية، والذي ترافق مع المناوشات العسكرية، جعلت من إدلب جغرافيا تسيطر عليها مقومات الفوضى، وآلة لخلط أوراق الأطراف المتناقضة والمتناحرة، في الحرب التي فرضت على سورية ليأتي الصبر الاستراتيجي والعمل بالعقل البارد المنتج من قبل الدولة السورية، لتحويل هذه المحافظة إلى مدخل لخارطة المنطقة الجديدة، ودخول الخاطف للجان المصالحة الوطنية إلى مدينة خان شيخون، يوجه رسالة واضحة للجميع، بأن هذه المنطقة هي مفتاح تبديل المفاهيم في شرق المتوسط، وأن إدلب بعد انطلاق المصالحة الوطنية فيها ليست كما قبلها، وهي من سترسخ مشهداً سياسيّاً مختلفاً تماماً، انطلاقاً من عودة الأهالي إلى قراهم ومدنهم، وإتمام المصالحة في إدلب، لتقلب الطاولة على رأس المجاميع الإرهابية والدول الداعمة لها.