كتبت صحيفة الوطن العمانية تحت عنوان "اتفاق فـي الاتجاه الصحيح":
يمرُّ العالم أجمع بمجموعة من التحدِّيات والأزمات التي شكَّلت عوائق كبيرة في التوجُّه نَحْوَ التنمية، والتي أثَّرت على الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، حتَّى في الدوَل المتقدِّمة والكبرى، إلَّا أنَّ منطقة الشرق الأوسط خصوصاً تتفاقم فيها تلك الأزمات؛ جرَّاء عددٍ من القضايا والصراعات التي تفاقم الأوضاع، خصوصاً في العقد الأخير، الذي شهدت المنطقة فيه حروباً أهليَّة وصراعات عدَّة، عطَّلت مَسِيرة التنمية في العديد من الدوَل، وجعلت البعض منها على حافَّة الانهيار، وأثَّرت على الوحدة والتلاحم، ما انعكس بشكلٍ سلبيٍّ على كافَّة مظاهر الحياة في المنطقة، وفاقم أضرار الأزمات العالمية وانعكاساتها مِثل كورونا «كوفيد19» وتداعياتها، والأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة، وغيرها من التحدِّيات الأخيرة التي برزت.
وتأتي التباينات والاختلافات حَوْلَ برنامج إيران النووي أحَدَ أبرزِ الخلافات التي شهدتها المنطقة، وكان له تداعيات كبرى، ليس على إيران ودول المنطقة والدول الخليجيَّة وقدرتها التنمويَّة وحسب، لكنَّها تخطَّت ذلك إلى تعقيدات في ملفات وقضايا أخرى في المنطقة كالملف اليمنيِّ والسوريِّ… إلخ، واستغلَّت الدوَل الاستعماريَّة الكبرى هذا الصراع بَيْنَ الجيران لتأجيج الأوضاع، والعمل على استنزاف موارد المنطقة، والعمل على تغذية الصراع بشكلٍ دائم؛ لخدمة مصالحها، ومصالح حليفها الأبرز في المنطقة، ألا وهو الكيان الصهيونيُّ، الذي زُرع في غفلة من الزمان لِيمنعَ انطلاق دوَل المنطقة نَحْوَ التقدُّم والازدهار، رغم ما تملكه من ثروات وموارد ضخمة، قادرة على إحداث الفارق الاقتصاديِّ والتنمويِّ المأمول.
ومن هذا المنطلق، يأتي الترحيب الدوليُّ والإقليميُّ والعُمانيُّ بالبيان الثلاثيِّ المشترك الصادر من المملكة العربيَّة السعوديَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة وجمهوريَّة الصين الشعبيَّة باستئناف العلاقات الدبلوماسيَّة السعوديَّة الإيرانيَّة، وإعادة فتح سفارتيهما وممثليَّاتهما خلال مدَّة أقصاها شهران، وعلى تفعيل اتفاقيَّة التعاون الأمنيِّ بَيْنَهما والاتفاقيَّة العامَّة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشَّباب، حيث يُتوقَّع أنْ تُسهمَ هذه الخطوة في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة وتوطيد التعاون الإيجابيِّ البنَّاء الذي يعود بالمنفعة على جميع شعوب المنطقة والعالم، بالإضافة إلى حلحلة العديد من الملفَّات المستعصية كالملف اليمنيِّ والسوريِّ؛ لِمَا يملكه البَلدانِ من ثقلٍ سيكُونُ له دَوْرٌ في عودة الأمن والاستقرار لكُلٍّ من اليمن وسورية وكامل المنطقة بإذن الله تعالى.
إنَّ هذا البيان الذي يُبشِّر بعودة العلاقات لطبيعتها بَيْنَ الجارتَيْنِ، يؤكِّد عِظَم الدَّور، الذي تؤدِّيه سلطنة عُمان بجانب الدوَل المُحبَّة للسلام والاستقرار، في إرساء أُسُس السلام في المنطقة، وهو ما تجلَّى في إعراب المملكة العربيَّة السعوديَّة الشقيقة، وكذلك الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، عن شكرهما وتقديرهما لسلطنة عُمان وجمهوريَّة العراق على التسهيلات التي قُدِّمت في جولات الحوار السابقة، والتي أسهمت في هذه الانفراجة في العلاقات بَيْنَ السعوديَّة وإيران، خصوصاً أنَّ الاتِّفاق بالتأكيد على مبادئ احترام سيادة الدوَل وعدم التدخُّل في شؤونها، وهو أحَدُ الأُسُس والمبادئ التي أقامت عليها سلطنة عُمان سياستها الخارجيَّة؛ إيمانًا منها بأنَّ تلك الأُسُس تُعد ركيزة أساسيَّة لتطوُّر العلاقات بَيْنَ الدوَل وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبما يعود بالخير والنفع على المنطقة بشكلٍ عام، وبما يُعزِّز السِّلم والأمن الإقليميَّيْنِ والدوليَّيْنِ.