لم يكن الزلزال المدمر الذي أصاب البلاد في السادس من شباط سبباً وحيداً لهذا الانفتاح على سورية، بل إنه وفر الذريعة المناسبة لتسريع الخطا على طريق الانفتاح هذا تحت العنوان الإنساني.
وأكد أحمد الدرزي في مقال نشره موقع الميادين أن عودة العرب المتسارعة إلى دمشق لم تكن وليدةً للزلزال، فالأمر يعود إلى ما بعد الدخول العسكري الروسي إلى الحرب في سورية الذي أدى إلى انقلاب الوضع العسكري في سورية لصالح دمشق.
وقال الكاتب: ظهر التحوّل الأميركي بعد الزلزال، الذي تبدّى من خلال السماح المحدود لتجاوز العقوبات الخانقة، التي فرضتها الإدارة الأميركية على سورية، لمدة 6 أشهر كاختبار لمدى قدرة نجاح سياساتها الجديدة، بعد انزياح إيران بشكل شبه كامل إلى الشرق، وتوسيع قاعدة الشراكة الاستراتيجية مع كل من روسيا والصين، بعد الحرب في أوكرانيا، وهذا ما دفعها للعودة إلى سياسات الاحتواء التي مارستها بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، التي تقتضي ضغوطاً اقتصادية ضمن الحد الأقصى، وإغراء الدول المستهدفة بجوائز الانفراج، مقابل عودة الاصطفاف إلى جانبها، في صراعها الكبير مع الصين وروسيا.
وتابع الكاتب: لا يغيب دور روسيا عمّا يحصل من تحولات في سورية، فهي بعد حربها مع حلف الناتو في أوكرانيا، ويقينها بأن فخ الحرب سيستمر لسنوات تحتاج إلى تبريد الأجواء في سورية، بدفع الدول العربية لاستثمار توسع هامش حرية الحركة، من جراء نتائج الحرب التي لم تُسقطها، والحضور الدولي الكبير للقوى الآسيوية الناهضة، وعودة اليسار إلى أميركا الجنوبية، إضافة إلى مواقف الكثير من الدول الأفريقية... وللسعودية الباحثة عن دور إقليمي مركزي، في مواجهة كلّ من الدور الإقليمي الإيراني بشكل أساسي، والدور التركي رغم تراجعه المؤقت بفعل زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية بعد الزلزال، وهي بحضورها المقبل المشروط، تسعى لتقليص الدور الإيراني إلى الحدود القصوى، بعد العجز عن فك العلاقة السورية الإيرانية، كشرط أساسي للعودة إلى سورية، وهي بعودتها ستستخدم قدراتها المالية الهائلة، لإعادة التعافي المشروط، بما ينعكس إيجاباً على تقليص مخاوفها في الخليج والعراق واليمن ولبنان وفلسطين، انطلاقاً من الساحة السورية، ومصر المتردّدة أيضاً، وجدت الفرصة المناسبة لها، وهي ترى بالعودة إلى سورية فرصة لموازنة الدور التركي والإيراني انطلاقاً من بوابة أمنها القومي الشمالية، وفرصة جديدة لاستعادة دورها الإقليمي... بدورها إيران تنظر إلى العودة العربية إلى دمشق من زاوية مختلفة، وهي تعتبر الوجود العربي المستجد فرصة لها، فهي لا تعيش القلق الكبير من جراء هذه العودة، بحكم يقينها بأن دمشق لا يمكنها أن تضحي بعلاقتها معها، إضافة إلى شراكتها الاستراتيجية مع الصين.
وأضاف الكاتب: وتركيا لا تغيب عن المشهد أيضاً، مع وصول وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة قادماً من دمشق، وهي لاعتبارات داخلية بأمسّ الحاجة لعودة سياسات تصفير المشاكل مع المحيط الإقليمي بتناقضاته، وخاصةً سورية التي تُعتبر اللاعب الأهم فيها الآن بلاجئيها، وارتداد كارثتها على الداخل التركي، وهي بعودة العرب إلى دمشق، ثم عودتها للتلاقي مع سورية، تكسب أوراق قوة بما يخالف سياساتها الكارثية على مدى 12 عاماً من "الربيع العربي" المنهك والمدمّر للعرب.
يخلق كل هذا الصراع على الأدوار انطلاقاً من الساحة السورية، فرصة جديدة لا يقينية لمستقبل سورية والسوريين.