وجهات نظر

تاريخ العرب السياسي هو تاريخ دمشق وبغداد

د. عبد الحميد فجر سلوم


كتب د. عبد الحميد فجر سلوم في صحيفة رأي اليوم تحت عنوان "تاريخ العرب السياسي هو تاريخ دمشق وبغداد في المقام الأول":



تاريخ العرب الإثني أو العِرقي، ضاربٌ في التاريخ كأحد الأقوام أو الشعوب في العالم، ولكن تاريخ العرب السياسي والدبلوماسي بدأ من دمشق أولاً وبغداد ثانياً.. فهما القاعدتان الأساسيتان لكل تاريخ العرب، بعد نهاية الحقبة الراشدية التي امتدت ثلاثون عاماً فقط، وانتقال مركز الدولة العربية الإسلامية إلى دمشق، ثم إلى بغداد.
وحينما نتحدث عن دمشق وبغداد فنحن نتحدث عن تاريخ الأمويين والعباسيين.
لعبت القاهرة لاحقاً دوراً في هذا التاريخ في زمن الفاطميين، ولكن كان لدمشق وبغداد الدور الأبرز في إرساء قواعد هذا التاريخ.
إذا وضعنا جانباً تاريخ الأمويين، وتاريخ العباسيين، فماذا يبقى من تاريخ العرب السياسي والحضاري؟
الحُقبة الأموية هي من بلورت أبعاد الشخصية العربية، وأرسَت ملامح ومفهوم الأمة العربية، ورسمت لها مكانة عالمية وتاريخية حينما امتدت حتى الأندلس في الغرب ووصلت إلى وسط غرب فرنسا، وحتى بلاد السِند في الشرق واقتربت من مشارف الصين، وكان الأمرُ الذي يصدر من دمشق، يُنفّذ على كل هذه المساحات الجغرافية الشاسعة..
ومن هنا لا يجوز التقليل، أو النَيل من قيمة أحدٍ ممن صنعوا التاريخ السياسي العربي (رغم ما به من مآسٍ وويلات وفواجع ودماء)، وما أحوج العرب في هذا الزمن إلى تمثُّل محطات التايخ العربي التي جسّدت عِزّة وكرامة العرب، لا سيما في هذا الزمن المُهين.
من لا يُطرَبُ لصوتِ فيروز الساحر وهي تُغنّي قصيدة سعيد عقل:
أمَويِّون، فإن ضِقْتَ بِهِم … ألحقوا الدنيا بِبُستان هشامْ

في هذا الزمن الذي يمر فيه العرب بأضعف مراحل تاريخهم، لا بدّ من استحضار المكانة التاريخية للمدينة المنورة، ودمشق، وبغداد، والقاهرة..
فهذه الرموز والحواضر الكبيرة في تاريخ الدولة العربية الإسلامية، منها انطلق مجد العرب، ومنها يُستعاد مجد العرب.. وعلى هذه العواصم التاريخية تقع مسؤولية كبيرة في هذا الزمن لاستعادة الدور العربي والمكانة العربية والهيبة العربية والكرامة العربية.
وحينما تتشابك الأيادي في هذه البلدان مع بعضها، لِما فيه مصلحة العرب وعِزُّ العرب، فحينها لا تستطيع قوة في العالم أن تتنمّرَ أو تستأسد عليهم.. بل الجميع سوف يخشونهم.
عوامل الضعف العربي هي من دفعت ببعض العرب ليشبكوا أياديهم مع الأيادي الغريبة التي لا يمكن أن تعمل لمصلحة العرب، وإنما فقط لمصالحها الخاصة على حساب مصالح العرب.
الرسول محمد (ص) كان عربياً قبل أن يكون رسولاً.. وانتماؤه العربي كان موضع فخرٍ له.
وقد جسّد ذلك في غزوة (حنين) حينما وجد نفسه مع نفرٍ قليل من المسلمين، أمام كثرةٍ من المشركين، فقال: (أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المطّلب).. إذا افتخرَ بأصلهِ.. بجدِّهِ عبد المطّلب.

الأمن العربي، وعزّة وكرامة الشعوب العربية في بلاد الشام والعراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن مصر، وعزّة وكرامة الشعب المصري.. لا يمكن الفصل بين ذلك، ولا بأمنِ هذه البلدان وشعوبها عن أمن الجزيرة العربية واليمن وشعوبها..
لقد كان المتنبي أول من لفت الانتباه إلى ترابط الأمن بين هذه البُلدان، وهذه الجغرافيا، قبل أكثر من ألف عام، حينما خاطب سيف الدولة الحمداني:
كيف لا يأمنُ العراقُ ومصرُ … وسراياكَ دونها والخيولُ
لو تحرّفتَ عن طريق الأعادي … ربطَ السِدرُ خيلهُم والنخيلُ
أنتَ طول الحياة للرومِ غازٍ … فمتى الوعدُ أن يكون القفولُ
وسِوى الروم خلف ظهرك رومٌ… فعلى أيّ جانبيك تميلُ
إذاً لو ابتعدَ سيف الدولة عن طريق الأعداء لكانوا ربطوا خيولهم على شجر النخيل في العراق، وشجر السِدر في مصر.. وهنا الربط بين أمن العراق وأمن مصر.. وحينما نتحدث عن ذلك، فهذا يعني أن بلاد الشام في صميم هذا الربط.. فهي بين العراق وبين مصر..
وفي حُقب التاريخ المتعددة كانت السُلطة الحاكمة ذاتها في بلاد الشام وفي مصر.. فكانت تمتدُّ من بلاد الشام إلى مصر كما في زمن الخلافة الراشدية، والدولة الأموية والعباسية، وأحياناً من مصر إلى بلاد الشام كما في زمن الدولة الفاطمية والمملوكية، وفي زمن ابراهيم باشا، وغيرها..
فهل يُعقل أن يُدرك المتنبي قبل أكثر من ألفِ عام الترابط بين بلاد الرافدين والشام ومصر، ولا ندركها بهذا الزمن؟
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=97189