تحقيقات وتقارير

اجتماع رباعي في موسكو على مستوى وزراء الدفاع.. هل تلحق تركيا بركب العرب


الإعلام تايم || كنان اليوسف

 

تستضيف موسكو اليوم اجتماعاً رباعياً يضم وزراء دفاع سورية وروسيا وإيران وتركيا وذلك استكمالا للمباحثات السابقة، فيما تبدو المناورة التركية لا تزال حاضرة، حيال مشروعية مطالب الدولة السورية بانسحاب قواتها التي تحتل أجزاءً من الشمال والشمال الغربي، فبعد أن قطعت المفاوضات حول امكانية فتح ثغرة في جدار العلاقات السورية التركية شوطاً معقولاً وفق ما يرى البعض من خلال انتقالها باللقاءات إلى مستوى نواب وزراء الخارجية للدول الأربعة والذي كان من المفترض أن يؤسس للقاء وزراء الخارجية، إلا أن ملفات أمنية وعسكرية لا تزال محل خلاف استدعت كما يبدو هذا اللقاء بين وزراء الدفاع، وليس أقل هذه الملفات مسألة إنهاء التواجد اللاشرعي للقوات التركية داخل الأراضي السورية، مع الإشارة إلى أن مثل هذا اللقاء العسكري هو الثاني من نوعه بتسيير روسي يحاول تقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة. 



وعقد في الثامن والعشرين من كانون الأول الماضي لقاء جمع وزير الدفاع السوري واللواء مدير إدارة المخابرات العامة السورية مع نظيريهما وزير الدفاع التركي ورئيس جهاز المخابرات التركية في العاصمة الروسية موسكو، بمشاركة الطرف الروسي.



مطالب دمشق واضحة 



سورية التي تؤكد وعلى الدوام أهمية التواصل بين دول الإقليم لحل المشكلات العالقة، وانطلاقاً من هذه القاعدة تعاملت دمشق بإيجابية مع جهود الأصدقاء الروس والإيرانيين الرامية لإعادة التواصل بين سورية وتركيا، دون أن تغفل ضرورة توفر الظروف والعوامل الموضوعية لإعادة هذا التواصل ،فيما شكل الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها، أولى مقومات هذه الظروف وهذا ما يؤكده مسار استنا بجولاته الـ 18 وتركيا جزء من هذا المسار، وبالتالي الحرص السوري يكمن في أن لا تتحول المحادثات الجارية في موسكو إلى مراوحة في المكان وتقتصر على الخروج ببيانات تؤكد على استقلال سورية ووحدة أراضيها دون أدنى التزام بها من قبل الطرف التركي، حتى أن تركيا لم تبدي استعدادها لجدولة الانسحاب من المناطق التي تتوجد فيها بشكل يتعارض مع القانون الدولي، لا سيما منطقة ادلب التي تشكل اليوم خزاناً بشرياً للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة وهي تشكل خطرا على البلدين.

كما تعتبر سورية أن محاربة الإرهاب على الأرض السورية هو مصلحة مشتركة سورية وتركية في آن معاً ، ولا تخفي أيضاً دعمها لمكافحة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيمًا إرهابياً ويشكل خطراً على أمنها القومي، لكن السؤال أين الموقف التركي الواضح من تواجد الإرهابيين في منطقة  خفض التصعيد في إدلب، بل على العكس تشكل الحدود التركية والمعابر المسيطر عليها من قبل الإرهابيين رئة يتنفس عبرها هؤلاء ، وفي ذات الوقت ترغب الدولة السورية في إرسال المساعدات الإنسانية إلى كافة السوريين وفي مختلف المناطق حتى تلك الخارجة عن سيطرة الدولة، كما تعتبر دمشق أن مسؤولية ضبط الحدود مع تركيا هي مسؤولية مشتركة تتم بالتعاون لا بالإجراءات الأحادية التدخلية أو غير الشرعية.




الوقت ليس في صالح تركيا 



تركيا التي تحاول استعجال الوقت، تبحث كما يبدو عن انجاز يحسب في السباق الانتخابي المنتظر بعد ثلاثة أسابيع من اليوم ، سيما وأن الرئيس التركي الحالي يرى في إحداث خرق في العلاقة مع سورية، ورقة يمكن الاستثمار بها انتخابيا خاصة إذا ما بني هذا الخرق على قاعدة إيجاد حل لقضية اللاجئين التي باتت ورقة ضغط شعبية وسياسية من قبل المعارضة في وجه الرئاسة التركية إذ تعتبر المعارضة أن انغماس تركيا في المشهد السوري وإسهامها في دعم التنظيمات الإرهابية، كلفها الكثير واقتصادها يدفع اليوم فاتورة القطيعة مع سورية التي تعتبر بوابة تجارية هامة بالنسبة لتركيا، وبناء عليه فإن أي تقدم في سير المفاوضات بصيغتها الرباعية كفيل بإكساب أردوغان أصوات انتخابية، وهذا مالا تريد دمشق منحه بالمجان كما جاء على لسان أكثر من مسؤول سوري بأن لا تكون مفاوضات عودة العلاقات مع تركيا مبنية على مصالح ضيقة وإنما على قاعدة احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها، وهي تتفق بذلك مع الأطراف الأخرى في هذه المحادثات (إيران وروسيا).

 

وهذا ما أكدته اللقاءات الثنائية لرئيس الوفد السوري الدكتور أيمن سوسان مع الوفدين الروسي والإيراني عشية انعقاد أولى جولات هذه المحادثات في الرابع من نيسان الحالي، وخرجت بضرورة حل القضايا القائمة بين دمشق وأنقرة من خلال الطرق السلمية والمحادثات السياسية، على أساس القوانين والقواعد الدولية ومبدأ حسن الجوار.

 

وعليه تكون أنقرة أمام اختبار جدي وحقيقي، أولاً أمام هذه الأطراف وثانيًا أمام الداخل التركي، وأولى نتائج هذا الاختبار ستحددها مخرجات لقاء وزراء الدفاع ، فإما أن تستجيب تركيا لهذه المطالب وتدفع بالمحادثات خطوات إلى الأمام، وإما أن تبقيها في حالة مراوحة في المكان. 



كسر العزلة العربية عن سورية يشجع أنقرة



التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات السورية العربية قد تشكل وفق مراقبين حافزاً لأنقرة لتقديم بعض الليونة في الموقف ، فالحراك العربي الأخير نحو دمشق يقرأه المسؤولون الأتراك جيداً ويدركون أنه يضع الدولة السورية أمام مزيد من التمسك بمطالبها المشروعة والمحقة في استعادة سيطرتها على كامل أراضيها وإنهاء تواجد القوى المحتلة وأدواتها، مدعومة بذلك بموقف عربي أكده بيان قمة جدة التشاوري بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، وكذلك لقاء وزير الارجية السعودي مع الرئيس الأسد الذي ربط في حديثه لضيفه السعودي بين المصلحة العربية والمصلحة الإقليمية في وجود علاقات سليمة بين سورية والمملكة في حين أكد الوزير فيصل بن فرحان من دمشق أن "المرحلة القادمة تقتضي أن تعود العلاقة بين سورية وإخوتها من الدول العربية إلى حالتها السليمة، وأن يعود دور سورية عربياً واقليمياً أفضل مما كان عليه من قبل".



كل هذه الحراك العربي تجاه سورية تفهمه تركيا وتضعه في ميزان حساباتها السياسية ، ولأنها تجيد اللعب على التناقضات واقتناص الفرص تريد كما يبدو أن تظهر بمظهر الداعم لاستقرار سورية واستقرار المنطقة بشكل عام ، لكنها أيضا تسعى إلى تقديم نفسها كجزء فاعل من هذا الاستقرار وهي محقة بذلك إذا ما كفًّت عن لعب دور المتدخل في شؤون دول الجوار، والعودة إلى سياسة الصفر مشاكل التي لطالما تغنت بها قبل أكثر من عقد من الزمن  هكذا فقط يمكن لأنقرة أن تكون جزء من استقرار اقليمي تنشده دول المنطقة، بما يسهم بإطفاء الحرائق التي أشعلتها السياسات الأمريكية وكانت تركيا جزءً منها وأداة في إشعال هذه الحرائق سيما الحريق السوري، الذي اشتعل بنيران إرهاب فتحت له تركيا أوسع الأبواب عبر حدودها، وعلى المقلب الآخر تسعى أنقرة إلى مزيد من التقارب مع دمشق وهي تكيل بمكيالين حول عوامل هذا الاستقرار الإقليمي وإلّا لماذا تتحدث أنقرة عن خطر قيام كيان كردي على حدودها تدعمه واشنطن ولا تقيم وزناً لخطر الإرهاب في إدلب بزعامة المدعو أبو محمد الجولاني وجبهة النصرة فرع القاعدة في بلاد الشام.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=93154