نافذة على الصحافة

الحرب وتثبيت واقع جديد


تثبت التعددية في زمن سقط فيه النظام الدولي الأحادي القطبية، منذ أن فشلت الحرب الإقليمية التي استهدفت سورية وكانت مدخلاً للصراع على إبقاء القطبية الواحدة والنظام الدولي الواحد.
 
إلا أن نظاماً دولياً جديداً ولد وكان له بالغ الأثر في التحولات الدولية الكبرى التي بدأت تطفو على السطح، مشكلة نظاماً إقليمياً جديداً وفقاً لمعادلات القوة التي أفرزتها الحرب في الساحتين السورية والأوكرانية.
 
 ورأى أحمد الدرزي في مقال نشره موقع الميادين أن المصالحة الإيرانية - السعودية أظهرت أن هناك سعياً واضحاً وصريحاً لتثبيت الاستقرار في هذا الإقليم من خلال بناء نظام إقليمي جديد، يدفع بالانتقال إلى إطار التعاون الإقليمي، برعاية القوتين العظميين الجديدتين الصين وروسيا، ويتم فيه الاستحواذ على الأدوار الكبرى، لكل من إيران والسعودية وتركيا، وهي القوى التي خاضت صراعات غير مباشرة في الساحة السورية، وفي غيرها من الساحات، وخاصةً في اليمن.
 
وقال الكاتب: يبرز الدور الإسرائيلي في جملة هذه التحوّلات، كعامل قلِق تنخر فيه هواجس استمرار الوجود، وخاصةً بعد أن تحطمت الجدران التي أقامها مع الإمارات والبحرين لمواجهة إيران، وسقوط الرهان على السعودية، صاحبة القدرة الأكبر بتأثيراتها في مجمل دول الجزيرة العربية، بالإضافة إلى معظم الدول العربية في شمال أفريقيا، وتدرك "إسرائيل" أن طبيعة الأدوار الإقليمية الكبرى، لكل من إيران وتركيا والسعودية، ستكون على حساب الدور الوظيفي لها، ما يلقي بظلال مشوّشة على مستقبل استمرارها، وهذا ما يدركه الإسرائيليون الذين رجحت أرقام هجرتهم إلى الخارج، أكثر من الهجرة إليها، لدرجة تُلحظ في المغرب، حيث ازدادت أعداد اليهود المغاربة العائدين من "إسرائيل" إلى مناطق مراكش بالذات، وتسارعت عمليات شراء الأراضي والعقارات، وتأسيس نواة للعمل فيها، لا سيما ممن يحملون الجنسيتين.
 
وأضاف الكاتب: تتعامل "إسرائيل" مع مجمل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة بقلق شديد، وخاصةً أن هذه المتغيرات تدفع نحو إخراج سورية من كارثتها، بعد أن سقط الحاجز المرتفع بينها وبين السعودية وبقية دول الخليج ومصر. لا تريد "إسرائيل" للكارثة السورية أن تنتهي، قبل أن يتم الاعتراف بدورها الأكبر على مستوى الإقليم، الذي يعني لها فقدانها الزوال التلقائي، لذا هي تعمل على إمكانية عرقلة بناء النظام الإقليمي الجديد من خلال البوابة السورية، لمنع الإحاطة بها من قبل القوى التي تعدّها جذرية في مسألة استمرارها بالوجود.
 
وتابع الكاتب: هذه الحرب أصبحت مطلوبة من طرفين أساسيين، الأول هو المحور الممتد من إيران إلى شرق المتوسط، وهو الذي عانى من جملة حروب شُنَّت عليه منذ أكثر من أربعة عقود، وهو بحاجة إلى الحرب لتثبيت واقع تم فرضه بالدماء الغزيرة التي بُذلت لأجله، بأنّ لا يكون لما يعدّه كياناً مؤقتاً الحق في البقاء، والطرف الثاني الذي يريد الحرب، وهو عاجز عنها، "إسرائيل"، شرط أن لا تخوضها وحدها، بل بدفع من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والاعتماد على اعتراض روسيا والصين كدولتين عظميين على تهديدات الطرف المقاوم، من منطلق اعترافهما بشرعيتها الدولية، وتشابك العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، اللتين لا ترغبان في الإخلال بالتوازن الإقليمي بين الدول الثلاث، بإمكانية هزيمة "إسرائيل"، وبالتالي دور إقليمي أكبر للمحور.
 
وختم الكاتب: لقد كانت الحرب مع "إسرائيل" ضرورة من بداية اجتياح ثورات "الربيع العربي"، التي لم تخرج عن مشروع حلف "الناتو"، الذي عقد مؤتمر لشبونة، في شهر شباط عام 2010، وقد يكون ما يحمله شهر رمضان من مؤشرات لتصاعد المواجهة مع "إسرائيل" داخل فلسطين، وخاصةً في القدس والضفة الغربية، وما يمكن لحركات المقاومة في لبنان وغزة وكامل فلسطين، هو الفرصة الأهم لتحقيق قفزة كبيرة على طريق تثبيت واقع جديد، يستطيع أن يحسم مدى إمكانية استمرار كيان لا جذور اجتماعية وتاريخية له في فلسطين، ويدفع بكل القوى الإقليمية الدولية في النظام الدولي الجديد إلى الإقرار باستحالة تحقيق هذا النظام باستمرار هذه الحالة الشاذة، التي هي بالأساس جزء أساسي من النظام الغربي المهيمن، والاستقرار والأمن في سورية لن يتحقق ببقائه.
 
Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=92955