من بلدي

صخرة اذكريني دائماً ... تعرف على أسطورة منتزه الربوة بدمشق ؟


 

هواء وادي بردى ولفحات الزبداني وبلودان ودفء الربوة وهدوء الغوطتين الشرقية والغربية، كلها مناطق يعشقها الدمشقيون، فهي مناطق التنفس في أيام العطل، خصوصاً مع انتهاء فصل الشتاء وبداية الربيع وينطلق الدمشقيون إلى الربوة حاملين معهم ماطاب من طعام وشراب ويطلقون عليها  مصطلح "السيران" أي النزهة ، الرحلة قصيرة .



وتكون الرحلة بغرض الاستجمام والاسترخاء، والاهتمام بأصناف الطعام التي يتم تحضيرها في الطبيعة، وخصوصا الشواء. وتخرج العائلة بأكملها فيلعب الأولاد في الطبيعة الجميلة في ربوة دمشق بالقرب من مصبات نهر بردى أو بساتين غوطة دمشق الشهيرة، ويجلس الأهل للاسترخاء وتحضير الطعام بعد ذلك، ويشيع في السيران أيضا تدخين الأركيلة ووسائل التسلية المختلفة.

الربوة: أجمل متنزهات دمشق..


"الربوة" هي موقع سياحي وتاريخي تستريح بين جبلين ومنها يتفرع نهر بردى إلى سبعة أفرع


عرفت منذ تأسيسها قبل مئات السنين بأنها من أجمل مناطق العاصمة السورية دمشق ومحيطها، ولذلك استفاض الرحالة والمؤرخون في شرح محاسنها، ومنهم ابن بطوطة وابن طولون والبدري وغيرهم.

والحق أن هؤلاء لا يبالغون عندما يصفونها بأعظم متنزهات دمشق، لأنها تتمتع بثلاث مزايا تتفرد بها عن غيرها من مناطق العاصمة ومحيطها.
.
الميزة الأولى للربوة أنها رفيقة نهر بردى، الذي يعبر بجانبها في رحلته الأبدية من منبعه قرب الزبداني إلى أن يصل إلى حارات دمشق وأزقتها بأفرعه السبعة. والثانية أنها تقع في المنطقة الغربية من دمشق مستقبلة نسائم غوطتها الغربية ومناطق اصطيافها الشهيرة في سفوح جبال لبنان الشرقية كالزبداني وبلودان وعين الفيجة وغيرها، ولذا فإنها تعتبر بوابة المغادرين من دمشق نحو مناطق الاصطياف الغربية. أما الثالثة فهي أنها تجاور جبل قاسيون وتربو على دمشق بشكل حنون ولذلك سميت «الربوة».


 


لجماليات الربوة، وموقعها الاستراتيجي السياحي...

 شهرة الربوة لا تنحصر فقط في مطاعمها ومنتزهاتها وطبيعتها الجميلة. بل توجد فيها معالم طبيعية لافتة، منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها وهو ذلك المطل على المقاهي، وقد عرفت باسم «المنشار»، ثم أطلق عليها لاحقا لقب «صخرة الحب» بعدما كتب عليها أحد العشاق الدمشقيين في خمسينات القرن الماضي عبارة «اذكريني دائما» ورمى نفسه من فوقها منتحرا، بسبب رفض أهل حبيبته تزويجه إياها. وتقول الحكاية، التي يرويها كثيرون من أبناء الربوة ويؤكدون أنها حقيقية حصلت فعلا، إنه عندما علمت الحبيبة بقصة الانتحار بادرت إلى كتابة عبارة «لن أنساك» على الصخرة نفسها وانتحرت مثل فتى أحلامها.

 

صخرة اذكريني دائماً في لقطة من المسلسل التلفزيوني "الفصول الأربعة" إنتاج 1999




ولمعرفة حقيقة هذه القصة عدنا إلى مذكرات المؤرخ والكاتب نجاة قصاب حسن (1920-1997) الذي يعتبر أحد أهم المصادر الموثوقة حول تاريخ مدينة دمشق، حيث يقول متحدثاً عن هذه الصخرة : "وصف ابن بطوطة الربوة قائلاً هي من أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها، وهي واد مرتفع عن سطح دمشق، وآخره فيه صخرة عالية إلى أيسر القادم إلى دمشق اسمها المنشار، وصارت لها منذ نحو أربعين سنة في ذهن الناس صورة عاطفية رومانسية، فالداخل إلى دمشق يرى قبل دخوله إليها كتابة تصافح عينيه  وقد كتبت بأحرف كبيرة ودهان لا يزول كلما غسله المطر يتجدد لمعانه، وهذه الكتابة من جملتين أولهما : اذكريني دائماً، والثانية : لا أنساك".

ويضيف المؤرخ  : "نُسجت أساطير حول كاتب هذه الكلمات، وأجمعت كلها على أنها من صنع عاشق مجهول فشل في حبه وقيل أنه انتحر، وقد تحرّيت الأمر بلطف فعلمت إنه عاشق فعلاً، ومن أبناء تلك المنطقة، وقد أحب فتاة لم يزوجه أهلها إياها، ففي ليلة عقد قرانها كتب الكلمتين الأوليين، وفي ليلة زفافها بعثت إليه بأنها لن تنساه فكتب العبارة الجوابية، ولكنه لم ينتحر، ومن يعرفونه يتكتمون حول اسمه وهذا أفضل لتبقى القضية خيالاً حلواً، على كل حال، ومع أن كلا العاشقين مجهول، فإن هذه الجملة توحي بالكثير من الرقة والحنين".

وقد كان من المنطقي أن تُمحى عبارة "اذكريني دائماً" وتبهت ألوانها وتطمس الحروف، بتأثير العوامل المناخية، خاصة بعد مرور كل تلك العقود الطويلة من الزمن، لكن الواقع أن العديد من أصحاب المقاهي والمنتزهات الشعبية في تلك المنطقة أعادوا بالتناوب تحبير العبارة كلما استدعت الضرورة، من أجل استقطاب الناس بخاصة العشاق، فتزدحم هذه الأماكن بالرواد الذين يدفعهم الفضول  لقراءة ما خطه العاشق الكبير على سطح الصخرة الأسطورية.



ويذكر  أن الربوة اشتهرت بانتشار مزارع الزعفران، وأن جبلها الغربي أطلق عليه اسم «الدفّ»، لكثرة مزارع الزعفران فيه، بينما حمل الجبل الشرقي اسم «الجنك»، لأن رأسه يشبه الآلة الموسيقية «الجنك»، وهي العود أو الطنبورة ذات الرقبة الطويلة.

 

 


 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=34&id=92475