وجهات نظر

"قطار التهدئة"

خيام الزعبي


كتب الدكتور خيام الزعبي في صحيفة رأي اليوم تحت عنوان "بعد مصر… هل يصل قطار التهدئة السعودي إلى العاصمة دمشق؟": 
 
 
لم تقطع مصر علاقاتها الدبلوماسية والأمنية والسياسية بدمشق طيلة سنوات الأزمة، كون أن العلاقات السورية المصرية ترتكز على أسس راسخة وقوية تعمقت أواصرها من خلال الاهتمام المشترك بين الجانبين لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، فمصر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها وتعي ما يُحاك ضدها وضد سورية. 
 
 
السؤال الأكثر إلحاحاً والذي أصبح هاجساً لكل صُناع السياسة في المنطقة، حول ماهية الوضع المتوقع ما بعد زيارة رؤساء البرلمانات العربية الى دمشق، وما ستؤول إليه الأمور على المستوى الإقليمي والدولي، كون هذه الزيارة التي جاءت تحت عنوان المواساة والتعزية بعد الزلزال الذي سبب كارثة إنسانية كبيرة، تتجاوز الشق الإنساني والتعازي الى الفضاء السياسي الذي أصبح يشهد تغيراً كبيراً مع اندفاع عدد من الدول العربية لتقديم يد العون لسورية بعد هذه الكارثة المؤلمة. 
 
 
ولعل زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري الى دمشق التي تعتبر أول زيارة لوزير مصري إلى سورية منذ 2011 ستكون منعطفاً واضحاً لتطوير العلاقات السورية المصرية في المستقبل، ونقل رسالة تضامن مع سورية لمواجهة تداعيات الزلزال، وإعادة دمشق إلى حضنها العربي، بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها بجامعة الدول العربية، كما تمثل هذه الزيارة التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية تعكس جدية المواقف المصرية تجاه سورية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن القاهرة ثابتة في مواقفها بالنسبة لدمشق، لذلك تجري مصر مراجعة شاملة استناداً إلى ما تشهده المنطقة من تغيرات، انطلاقاً من حاجتها إلى محور سورية المقاومة، فكلمات وأحاديث الرئيس الأسد مع الوزير المصري جاءت لتؤكد أن سورية قادرة على دحر المؤامرة ومواجهة التحديات وأن علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين  القاهرة ودمشق متينة، وخارج المساومات والصفقات. 
 
 
لذلك يمكن القول إن زيارة الوزير المصري إلى سورية تؤكد أن هناك تفاهمات تصل إلى حد التطابق بين سورية ومصر وأن القاهرة مع دمشق في خندق واحد، وفي الاتجاه الآخر ستكون هذه الزيارة مقدمة لزيارات عدد من المسؤولين العرب لسورية، ومن بينهم وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الذي قد يصل دمشق في أي لحظة، وكانت وكالة سبوتنيك الروسية قد نشرت قبل أيام خبراً عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي الى دمشق، وبذلك تكون قوائم العمل العربي المشترك قد اكتملت بين دمشق وبغداد والقاهرة الرياض. 
 
 
ومن أهم الأسباب التي قد تدفع السعودية إلى تغيير موقفها من سورية ترجع إلى بدء تحضير المملكة لرئاسة القمة العربية المقبلة، وقد ترغب المملكة في أن تكون تلك القمة استثنائية لجهة تحقيق المصالحة بين الدول العربية وإعادة توحيد ولم الشمل العربي، والقاهرة تدعم هذا التوجه ولديها الاستعداد للعب دور لتقريب وجهات النظر، والعمل على البدء بالإجراءات التمهيدية لحضور سورية القمة العربية المقبلة في الرياض. 
 
 
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن توقيت هذه الزيارة سيكون مهماً جداً في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة حالياً، ويمكن وضع هذه الزيارة في سياق التعاون والتنسيق والتشاور المستمر بين البلدين إزاء ما يحدث في المنطقة، لبلورة موقف مشترك وواضح من مجمل ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة يحاولون خلط الأوراق من جديد، ووضع العصي في عجلات أي جهود لإيجاد حل للأزمة السورية. 
 
 
وانطلاقاً من ذلك فإن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الإيجابية بين كل من دمشق والدول العربية، والتنمية المستدامة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وما على البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً وإقليمياً، وكما لجأت بعض الدول إلى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب أن يلجأ محور أعداء دمشق إلى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة. 
 
 
وباختصار شديد، أصبح لزاماً على السعودية أن تعيد حساباتها وتحالفاتها الدولية والإقليمية وأن تشرع في إعادة علاقاتها بشكل كامل مع سورية وقوى المقاومة في المنطقة لإعادة استنهاض المنطقة للتصدي لكل محاولات إعادة ترسيم المنطقة بما يخدم أهداف المشروع الأمريكي الغربي ومحصلته تحقيق أمن إسرائيل، لذا لا بد من صحوة عربية تقود لعملية التغيير الاستراتيجي للوقوف في وجه الإرهاب الذي يستهدف الأمن القومي العربي وركيزته السعودية ومصر وسورية.
Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=92228