وجهات نظر

الزلزال والاغتيال وفرضية الانتفاع

عادل سعد


قطعت دمشق الشَّك باليقين حين منحت لجنة الصليب الأحمر الدولية والأمم المتحدة بالشراكة مع جمعية الهلال الأحمر العربي السوري فرصة الوصول إلى إغاثة كل المتضررين من الزلزال الكارثة الذي ضرب البلاد إلى جانب تركيا.

 

إن هذه الإتاحة اللوجستية، التي وفَّرتها الحكومة السورية لحركة الإغاثة، هيأت المجال الكامل للمؤسسات الثلاث من أجل تطبيق مبادئ الإغاثة السبعة، الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، الاستقلال، الخدمة الطوعية، الوحدة، العالمية.

 

لقد أغلقت دمشق بهذا الإجراء بعض الممرات التي ما زال أعداء سوريا يتسللون منها لنشر المزيد من الضغينة والاستثمار بالكوارث، وكان آخرها حتى الآن نسخة قانون قيصر بكل تداعياته المجحفة المكرسة أصلًا لإلحاق الأذى بالشعب السوري وقتل تطلعاته في الحياة الكريمة الآمنة.

 

لقد شهدت الأيام القليلة الماضية من عمر الزلزال مزاعم ظالمة صدرت من واشنطن، ومن بعض العواصم الأوروبية، مفادها أن الحكومة السورية غير مؤهلة اعتباريًّا وقانونيًّا لتولِّي مسؤولية إغاثية كبيرة من هذا النوع، وجيّشت لتمرير هذا الزعم المزيد من المعلومات المزيفة امتدادًا للتجييش الإعلامي الذي دأبت عليه تلك الدوائر بهدف شيطنة دمشق والاعتياش على ادعاءات قديمة جديدة تُريد لها أن تكون منصَّة التعامل مع كارثة الزلزال ضمن أجندة باتت مكشوفة تحاول فيها إلقاء اللوم على الحكومة السورية في ما يعانيه السوريون منذ عام 2011.

 

لقد كشفت الحصارات التي نُفذت ضد العراق وسورية وبلدان أخرى كم هو حجم الأذى المتعمد الذي لحق شعوب هذه البلدان، وكم هو حجم الدالة العدوانية لتلك الحصارات. وإذا كانت الدوائر الغربية الحاكمة تمتنع من الاعتراف بالمظالم التي تسببت بها سياساتها الخارجية الجائرة، فإن من الشهادات الموثقة لهذا الجور، ما أورده الخبير الاقتصادي الأميركي جون بيركنز في كتاب له نشر عام 2004، كشفَ فيه بالدليل الميداني كيف تستخدم دوائر غربية الوسائل الاقتصادية في فرض العقوبات خارج منظومة الأمم المتحدة ومحاولات تطويع الميثاق الدولي بغير وجْه حق لتبرير تلك العقوبات، والتلاعب في تفسيره وتفويض إرادة الهيمنة والتسلط.

 

لقد جاءت اعترافات بيركنز في كتاب له حمل عنوانين ضمن النسخة العربية، أحدهما (القاتل الاقتصادي)، والعنوان الآخر (الاغتيال الاقتصادي للأمم) فاضحًا الأساليب المعتمدة لدك وتفتيت الفرص التنموية لملايين البشر، وتعرضها للنهب والابتزاز تحت طائلة مسميات جائرة، بل يمكن التقاط هذه النزعة الاستعلائية من التصريح المنسوب إلى جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، حين قال نحن حديقة العالم والآخرون ليسوا سوى دغل، وأعتقد أنه يقصد الدغل السام للفرز بين الحالتين في زعم عنصري صارخ. ومن الاستنتاجات الأخرى في ذلك تصنيع معلومات مضللة تُطلق في أحيان معينة لسحب الأنظار لها على حساب مواقف ينبغي اعتمادها.

 

إن تحريك ملف الأسلحة الكيماوية مجددًا، وتحميل الجانب الرسمي السوري مسؤولية استخدامها في مواجهة المعارضة السورية، إنما يأتي تجنبًا لاستحقاقات إغاثية ينبغي أن تتصدر الأولويات، وهكذا يجد مَن يتابع محرِّكات العداء ضدَّ سوريا العيِّنة الملموسة في كيفية استخدام العامل الاقتصادي للتجويع وتدمير فرص التنمية المستدامة، وإذا كان الدمار الذي أحدثه الزلزال فرصة أميركية أوروبية ثمينة للكف عن الأذى الذي ألحقوه بالشعب السوري فإن ما يلبِّي قِيَم التضامن والشراكة في الدعم أمر ينبغي أن يكون بحكم المعايشة.

 

بخلاصة، لا يجوز تسويف واجبات دعم سوريا والتنصل عنها بهذه الفوقية في مواجهة اعتبارات تتعلق بضغوط الوقت ومستحقات سرعة الإنقاذ الموقعي والإسعافات الإغاثية الأخرى.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=91950