وجهات نظر

رجا شحادة.. السلام المستحيل مع "إسرائيل"


 

خاص الإعلام تايم 

 

"كان والدي يعتقد أيضاً أنه دون السلام مع الفلسطينيين لا يمكن لإسرائيل أبداً أن تعيش في سلام وقد ثبت أنه كان محقاً في ذلك ففي هذا الأسبوع قتل جنديان إسرائيليان في أربعة أيام".. والقادم أعظم وفق ما تنشر وسائل إعلام فلسطينية بشكل خاص وعربية وعالمية بشكل عام عن لسان قادة المقاومة في فلسطين، بأن الإسرائيليين لن ينعموا بالسلام طالما هناك اضطهاد وعنصرية وانتهاكات بحق المقدسات الدينية وغيرها، تمارسها سلطات الاحتلال.

هذا ما قاله الكاتب الفلسطيني رجا شحادة في أحد مقالاته التي عنونها بـ"إسرائيل تواصل بناء المستوطنات والفلسطينيون يستمرون في الموت، السلام مستحيل بهذه الطريقة".

وأضاء الكاتب في مقالته "كان بإمكاننا أن نكون أصدقاء، أنا ووالدي" على محطات تاريخية مهمة من عمر القضية الفلسطينية متسائلاً أنه في العام الجاري قتل أكثر من مائة فلسطينياً على أيدي القوات الإسرئيلية في الضفة الغربية..أين المسائلة عن ذلك؟

واستحضر الكاتب حادثة جرت في نهاية ثمانينات القرن الماضي ليقارن مجريات الأحداث هذه الأيام، ويقول إنه في ذروة الانتفاضة الأولى 1988 قام البروفيسور والناشط الأميريكي نعوم تشومسكي بزيارة قرية بيتا الفلسطينية بالقرب من نابلس، التي احتضنت حادثة مقتل فلسطينيين اثنين ومستوطنة إسرائيلية بعد مواجهات بين جيش الاحتلال والقرويين، وأراد جيش الاحتلال تحميل القرويين مسؤولية مقتل المستوطنة إلا أنه اتضح أنه هو من قام بقتلها، ولكن بعد أن دمّر عشرات المنازل فوق ساكنيها وقتل واعتقال العديد من أبناء القرية، ولم تكن مفاجأة بالنسبة للمفكر الأمريكي الذي كان يتوقع أن يؤدي ارتفاع معدل بناء المستوطنات إلى نتائج خطيرة، ورغم تضاعف الخطر من جراء بناء المستوطنات وازدياد حالات القتل والمواجهة إلا أن شهر شباط الماضي شهد تحرك المدعي العالم الإسرائيلي للتفويض بإعادة إنشاء مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية التي كان قد تم إجلاء سكانها ،على أرض يملكها فلسطينيون ، بالقرب من بيتا على جبل صبيح، رغم الاحتجاجات التي أسفرت عن قتل تسعة فلسطينيين وإصابة الآلاف منهم لمنع إنشاء هذه البؤرة الاستيطانية.

ويستذكر الكاتب أن تشومسكي يوم زار قرية بيتا كانت لاتزال المعارضة السياسية الإسرائيلية للمستوطنات تمتك بعض مقومات النجاح، وكانت هناك أيضاً إمكانية الطعن في الاستيلاء غير المشروع على الأراضي الفلسطينية عن طريق الاستئناف أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، لكن اليوم تم إسكات اليسار الإسرائيلي بشكل كامل تقريباً، خاصة وأن الأحزاب الرئيسية الإسرائيلية في انتخابات الشهر المقبل على من هو أكبر مؤيدي المستوطنات؛ ومن الذي يتخذ خطأ أكثر تشدداً في قمع المقاومة الفلسطينية لها، كما أن المحكمة أثبتت في الآونة الأخيرة أنها لا تضاهي في موافقتها الآلية على إجراءات الاحتلال وتبييض صفحته"، كما أن التراخي الدولي بالقيود المفروضة على إسرائيل من جانب بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، جاء بنتائج غير فعالة ما ترك لإسرائيل الحرية في انتهاك القانون الدولي بشأن بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة مع إفلات تام من العقاب.

ويقول رجا شحادة إن "إسرائيل تعتقد شأنها شأن العديد من القوى الاستعمارية؛ أن بإمكانها أن تسحق بالقوة" كل مقاومة لسياستها الاستيطانية، ورغم ذلك -وفق الكاتب- فإن "الفلسطينيين سيواصلون المقاومة فهم لا يستطيعون أبدا قبول الاستيلاء على أراضيهم وحصرهم في أقل من ثلث تلك الأراضي؛ أيا كانت القوة التي تستخدمها إسرائيل ضدهم".

ولفت الكاتب إلى خطة تقدم بها والده عزيز شحادة في أعقاب احتلال إسرائيل لمزيد من الأراضي في 1967 والتي نالت دعم خمسين زعيماً فلسطينياً بارزاً من مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، ‏ لإنشاء دولة فلسطينية وفقًا لحدود التقسيم في عام 1947 وعاصمتها في الجزء العربي من القدس، وكانت حجته يومها أنه مالم تتفاوض إسرائيل التي كان عدد سكانها 2.7 مليون نسمة مع الفلسطينيين فلن تتمكن من السيطرة على 1.2 مليون فلسطيني أصبحوا تحت سيطرتها، مؤكداً أن الأمر بالنسبة لإسرائيل أشبه بالعيش بجوار قنبلة موقوتة.

ويصف الكاتب الواقع اليوم بأن قادة الاحتلال يعتقدون أن سلطاتهم قادرة على "إدارة" الاحتلال لفترة طويلة قادمة، لكن الأصوات لاتزال تعلو بأن الفلسطينيين لن يتخلوا عن النضال الآن، ويجب أن يفعلوا كل ما بوسعهم لوضع نهاية لهذا الاحتلال، قبل أن يفلح في تدميرهم.

وهذه الفرضية تأتي اليوم في ظل وسائل إعلام تقود حملات ممنهجة لصالح المحتل واصفة جنوده بضحايا "إرهاب" أصحاب الأرض، فهي لا تقرع جرس الإنذار إلا حين يموت جنديان إسرائيليان أو ثلاثة، حتى لو كان كل شيء على ما هو عليه منذ عقود، وسط الاحتلال (الذي يمارسه الإسرائيليون) لأرض ليست لهم.

 

وتأتي في ظل تساؤلات لسياسيين عالميين فحين كان إغناسيو لولا، رئيسا للبرازيل، قال "مما يثير الفضول، أن الأمم المتحدة تمكنت من إنشاء إسرائيل منذ عقود، لكنها حتى اليوم لا تستطيع إنشاء دولة فلسطين".

في كتاب "كان بإمكاننا أن نكون أصدقاء، أبي وأنا"، يصبو رجا شحادة إلى إعادة الاعتبار لأبيه، بعد اللغط الذي أثارته ظروف اغتياله قبيل الانتفاضة الأولى، خاصة وأنه كان من أنصار قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة الاحتلال المزعومة، لافتاً إلى أهمية كفاحه القانوني والسياسي خلال مسيرته المهنية الطويلة، ويكتشف دوره في النضالات القانونية، كما يكتشف حصافته السياسية، في مبادرته السياسية الأولى سنة 1968.

وفي مقال للكاتب تساءل هل يمكن لإسرائيل الاستمرار في حكم الأراضي المحتلة ؟ لافتاً إلى أن زعزعة السيطرة الإسرائيلية على سكان الأراضي التي احتلت سنة 1967، بدأت مع قيام الانتفاضة 1987، ولا تزال مستمرة، وسوف تستمر، وأنه إذا ظلت الأمور تسير في هذا الاتجاه فإنها ستؤدي إلى وضع تعجز إسرائيل فيه عن السيطرة.

وحالياً، لا يأخذ العناد الإسرائيلي بعين الاعتبار إمكاناً له ما يبرره، وهو إمكان الوصول إلى هذه المرحلة. لكن، إذا حدث هذا فإن خيارات إسرائيل سوف تتقلص إلى حد يتعيّن فيه عليها أن تفضل القيام بالانسحاب بنفسها، على أن تفعل ذلك بإقناعها به أو إكراهها عليه.

ولم يصل الفلسطينيون بعد إلى الحد الذي يتعذر فيه على إسرائيل حكم الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في ظل الاحتلال، لكن حاجز الخوف قد كسر، وترسخت روح التحدي، والإصرار على المواجهة بلغ مرحلة متقدمة يمكن أن تكون الضربة القاضية لتتراجع سلطات الاحتلال قليلاً للوراء وتبحث عمن ينقذ ملف المفاوضات مع الفلسطينيين.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=89385