وجهات نظر

رغم مقعدها الفارغ.. سورية في أفئدة أبناء الأمة

خميس بن حبيب التوبي


كتب خميس بن حبيب التوبي في صحيفة الوطن العمانية تحت عنوان " سورية وهم وحدة الصف العربي":

 

على الرغم من الجرح الغائر الذي أصاب الجسد العربي السوري برماح الشقيق وبنصال الصديق، والذي لا يزال ينزف وتبذل سورية (شعباً وجيشاً وقيادةً) جهوداً جبَّارة لوقف هذا النزيف وتقطيب الجرح، فإن الدولة السورية تثبت مع كل مرحلة من مراحل النزيف والألم، ومع كل سهم غادر يصيبها من شقيقها العربي أو من عدوها، وبعلم شقيقها أو موافقتِه، أنها قامة وأي قامة بشعبها وجيشها وقيادتها، تداوي جراحها المثخنة وفي قلبها الكبير النابض بالعروبة كل الرجاء والأمل بأن ما أصابها من شقيقها، أو من الذي يدعي صداقتها، هو زلة وهفوة قد يكون سببهما سوء تقدير وخطأ تدبير أو أحمالاً لا يطيق لها احتمالًا فرَكِبَ الموجةَ رغماً عنه.

 

لقد كان -ولا يزال- البعد القومي ووحدة الصف العربي هاجساً سورياً في مواجهة أعاصير الاستعمار والاحتلال والاعتداء والسلب والنهب من ثروات هذه الأمة ومقدراتها وأراضيها، والمساس بسيادتها واستقلالها، وتشويه صورتها وتلويث قيمها ومبادئها، وتهشيم ثقافاتها وهوياتها وأخلاقها. ومع استمرار التآمُر عليها، تأبى سورية أنْ تغيّر جلدها، وتتنكر لهويتها وقوميتها وعروبتها، وتنقاد وراء مشروعات ومؤامرات تستهدف أبناء هذه الأمة وأقطارها، بل تواصل تقديم التضحيات من أجل ذلك، والتمسك بما آمنت به من قيم ومبادئ ومثل، وعروبة وهوية ووحدة صف، وأن يبقى كيان هذه الأمة متماسكاً موحداً؛ لكونه الحصن الحامي لأبناء هذه الأمة وأجيالها من أعاصير الاستعمار ومخططات التآمر والتغريب والتشويه.

 

في الحقيقة لم تفاجئنا سورية بمواقفها العروبية والوحدوية رغم أنها لا تزال تدفع أثماناً باهظة من أجل هذه المواقف التي عزت في وقتٍ تبدو فيه هذه الأمة بحاجة ماسة إلى نظيرها العربي والإسلامي؛ لذلك لم تنل شرف تسميتها بـ"قلب العروبة النابض" كما أنه لم يأتِ من فراغ، فالوقائع والأحداث هي التي تتحدث عن هذه الحقيقة. ومع استعداد الجزائر لاستضافة القمة العربية في الموعد المقرر لها مطلع تشرين الثاني شهر المقبل، وانطلاق أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة وعلى جدول أعمالها الوضع في سورية، أعلنت الجزائر رسمياً أن دمشق تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر.

 

ووفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية فإن رمطان لعمامرة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الجزائري أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، الذي أكد أن سورية "تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية" خلال القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر مطلع تشرين الثاني المقبل.

 

لا ريب إنه موقف حكيم ويعكس حدة الذكاء السياسي للقادة والمسؤولين السوريين التي اعتدناها منهم وتميزهم عن غيرهم، والفهم الواسع والعميق لمجريات الأحداث وحقيقة الأوضاع السائدة في الإقليم والعالم، وقدرتهم على قراءة الواقع قراءة واقعية ومعمقة، ورسم الصورة الذهنية الحقيقية له، ومعرفة المآلات والنتائج مسبقاً، وإدراك أن الوضع العربي غير مؤاتٍ بعد، خصوصاً وأنه لا يزال يشهد عمليات بيع ذِمم، وأوطان، وبناء تحالفات مشبوهة، وعدم القدرة على طلاق التبعية والتحلي بسيادة القرار السياسي.

 

وبعيداً عن الظروف التي قادت إلى إقامة جامعة الدول العربية وأدوارها التي أدتها ومسؤولياتها، لا سيما تجاه القضايا العربية، فإن هذا الموقف الرسمي السوري يحسب لسورية، شعباً وقيادةً، ودون شك عزز المكانة التي تحظى بها في أفئدة أبناء هذه الأمة وزادها قدراً وتقديراً.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=88111