تحقيقات وتقارير

بعد سطوه على فلسطين.. الكيان الإسرائيلي يسطو على كوكب الشرق


خاص || تمام اسماعيل

يُتقنُ الكيان الإسرائيلي فنَّ التلاعب بالعقول لخدمة أهدافه ومخططاته الخبيثة، مطلقاً أذرعه الإعلامية لتسويق أفكار موجهة، تغسل الأدمغة وتأخذها لحالة وهمية، مستغلاً الحالة العاطفية للإنسان العربي، وضعف إمكانات المقاومين لمشروعه وتأثيرهم الرادع، وجهل شعوب العالم بالواقع الحقيقي.

 

ويعمد هذا الكيان إلى ممارسة الخداع، فتارةً يبث دعاية الجيش الذي لا يقهر، ترهيباً بشعوب أبت الاستسلام أمام جرائمه وطغيانه وتثبيطاً لعزيمتهم على مواجهته، ليحقق بالخداع ما لا يستطيع تحقيقه بالقوة، وتارة أخرى يلبس قناع الحمل الوديع أمام (ذئاب) العرب المحيطة التي تريد تدميره وقذفه في البحر مستخفاً بالعقول التي تناست أو جهلت أصل وجوده الإرهابي على أرض فلسطين وجرائمه بحق العرب والفلسطينيين.

 

وإذ يزخر التاريخ بكثير من الأمثلة التي تثبت لجوء هذا العدو لأساليب المكر لتنفيذ مآربه، عبر قلب الحقائق، يؤكد التاريخ أيضاً حقيقة نجاحه في هذه السياسة التضليلية وسقوط الشعوب العربية بفخ أساليبه، وانخداعها الدائم بأكاذيبه، وإن كان هذا حال شعوب خبرت هذا الاحتلال العدواني، فكيف الأمر بشعوب العالم البعيدة.

 

من بوابة أم كلثوم.. إسرائيل تحاول كسب معركة الوعي مع العرب والفلسطينيين

 

وإن كانت اتفاقيات السلام المنفردة التي أبرمها هذه الكيان مع بعض الدول العربية، وسيلة استغلها لتسويق نفسه كراغب بالسلام بخلاف حقيقته العدوانية التوسعية، أطلَّ علينا بمخطط التطبيع الذي انساقت خلفه حكومات دول عربية أخرى، والذي كان من الضروري لإنجاحه، العودة إلى المراوغة لتسهيل فكرة التعايش وطمس الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني واحتلاله المستمر للأراضي العربية، عبر استغلاله أحد الرموز العربية المحبوبة جماهيرياً، في محاولة للتقرب من الشعوب وإظهار كيانه جزءاً من المنطقة ومحباً لتراثها، بإجراءات بسيطة وتسويق كبير، يخدع به مجدداً عقول الشباب المغيبة عن قضيتهم وتاريخها.

 

فكانت أم كلثوم محبوبة الجماهير العربية، وإحدى أهم رموز الفن العربي والمصري، وسيلة الكيان الإسرائيلي لبث مزاعم الوفاق مع العرب والتناغم الثقافي، مستغلاً هذه القامة الفنية العربية لمد الجسور المفخخة، من خلال عرض مسرحي يروي قصة كوكب الشرق، أو عبر إطلاق اسم أم كلثوم على شارع هنا أو زاروب هناك من أرض فلسطين التي يحتلها، مستخفاً بعقول شعوب ذاقت من شروره الكثير الكثير، ومستنداً لنفاقه الذي يبرع به في ترويج فكرة التطبيع، لكسب معركة الوعي مع بعض من نسي أو تناسى بأنه عدو لا يؤتمن.

 

الكيان الإسرائيلي يعرض مسرحية عن حياة أم كلثوم

 

وفي وسيلة جديدة وأسلوب مكشوف للتقرب من الشعوب العربية، لجأ الكيان الإسرائيلي إلى كوكب الشرق أم كلثوم، ليعلن مركز "البيت الصهيوني الأمريكي" في إسرائيل في وقت سابق من الشهر الماضي، عن عرض مسرحية موسيقية حول قصة حياة أم كلثوم ومراحل ظهورها، منذ الإنشاد حتى أصبحت أشهر مطربة في الشرق الأوسط.

 

أشهر وأعظم مطربة على مر العصور (أم كلثوم)، هكذا قدم المركز الإسرائيلي العرض الموسيقي المسرحي الجديد الذي حمل عنوان "إنت عمري - قصة حياة أم كلثوم"، والتي تروي قصة حياتها الرائعة والمضطربة، وفق المركز.

 

وفي سياق إعلانه عن جوانب العمل المسرحي، لفت إلى أنه يدور حول قصة أم كلثوم التي تمر بصراع شخصي من أجل حق الغناء أمام المجتمع، حتى مواقفها وشهرتها القومية والعربية والعالمية، وصولاً لتتويج إبداعها في تقديم أغنيات من الشعر القديم.

 

إطلاق اسم أم كلثوم على أحد شوارع حيفا يفضح حقيقة المجتمع الإسرائيلي ونوايا قياداته

 

في شهر تموز من عام 2020، أطلقت بلدية حيفا، اسم أم كلثوم العربي، على شارع في المدينة المغتصبة من الصهاينة، مما أثار رفضاً واسعاً في المجتمع الإسرائيلي الذي أعلن متطرفوه رفضهم لهذا القرار متهمين الفنانة الكبيرة الراحلة بأنها "عدوة إسرائيل".

 

وقبل ذلك، قررت بلدية الرملة في أواخر حزيران من العام ذاته، إطلاق اسم أم كلثوم على أحد شوارعها، الأمر الذي قوبل بحملة تنديد مماثلة قام بها نشطاء يمينيون إسرائيليون، وفي عام 2012 أيضاً أطلق رئيس بلدية القدس نير بركات الذي يعتبر أحد أبرز قيادات حزب الليكود، اسم أم كلثوم على شارع في حي بيت حنيا في القدس الشرقية المحتلة.

 

وكانت بلدية حيفا قد عللت قرارها بأن أم كلثوم تعتبر من عظماء الغناء العربي وإطلاق اسمها على شارع في حيفا، عائد لكونها مدينة مختلطة تمثّل نموذجاً للحياة المشتركة بين اليهود والعرب، في تجاهل فاضح لحقيقة وجود اليهود على آثار دماء الفلسطينيين وممتلكاتهم.

 

ورغم أن هذا القرار، يُخفي حوله الأجندات الماكرة للعدو في محاولته المستمرة تضليل الشباب العربي ودفعهم لنسيان قضيتهم مع محتل أرضهم، وإلهائهم بهذه التسمية للتعمية عن حقوق العرب المسلوبة، إلا أنه فضح زيف تقبل المجتمع في إسرائيل لفكرة التعايش مع العرب ولو باسم ٍلشارع.

 

فقد شهد هذه القرار تنديداً واسعاً، وبدأ النشطاء اليمينيون حملات ضد التسمية، ووصف يائير نتنياهو، نجل رئيس حكومة الاحتلال حينها بنيامين نتنياهو، قرار بلدية حيفا بأنه عار وجنون، معتبراً أم كلثوم عدوة إسرائيل.

 

وعلق الصحافي الإسرائيلي في صحيفة “إسرائيل هيوم” إلداد بك على قرار تسمية شارع في حيفا باسم أم كلثوم، باتهامها بأنها "عدوة إسرائيل".

 

وقال: "لمعلومات الزوار في شارع أم كلثوم، بدأت التسمية في القدس، وانتقلت إلى الرملة ووصلت الآن إلى حيفا، النغمة الجديدة لتسمية الشوارع على اسم كوكب الشرق أم كلثوم في المدن التي فيها سكان عرب في إسرائيل"، معتبراً بأن "خطوة تكريم أم كلثوم في الرملة هي إحياء ذكرى أحد أكبر أعداء إسرائيل الذين أرادوا القضاء على الدولة."

 

أما الحقيقة الفاضحة لنظرة الإسرائيليين للعرب ولغتهم وثقافتهم، فقد كشفها الباحث في الثقافة واللغة العربية في جامعة بن غوريون في النقب يوناثان مانديل، في تعليقه على قرار التسمية بالقول: "الإسرائيليون ينظرون بدونية إلى اللغة العربية والثقافة العربية حتى لو استمعوا إلى أغانيها."

 

مزاعم إسرائيلية جديدة.. عائلة يهودية وراء اكتشاف أم كلثوم

 

ولم يكتفِ التضليل الإسرائيلي، بالاختباء وراء الصورة العربية لأم كلثوم ومكانتها في القلوب، لإخفاء عنصريته وتاريخه الدموي وحقده على العرب، إلا أنه روج لفكرة ضلوع اليهود باكتشاف الفنانة الكبيرة، بهدف إبراز أثره المزعوم بظهور هذه القامة الفنية العربية.

 

فكانت آخر المزاعم ما نشرته صفحة "إسرائيل بالعربي"، التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية في حزيران الماضي، بأن عائلة يهودية كانت تقيم في مصر هي من كانت وراء اكتشاف الفنانة المصرية الراحلة أم كلثوم، الأمر الذي قوبل بكثير من الانتقادات وسط اتهامات لهذا الكيان بتزييف التاريخ والكذب، والتأكيد بأن ذلك أمر معروف عن "إسرائيل".

 

وأمام أساليب هذا الكيان الغاصب، يبقى الأمل متوقفاً على وعي الشعوب العربية للمخططات الإسرائيلية التي ما انفكت تراهن على الزمن المصحوب بمزاعمها الكاذبة وتزويرها للحقائق والتاريخ، لتمرير باطلها المصطنع وترسيخ كيانها المزيف في أرض فلسطين، وكسب اعترافٍ بشرعيته، وتعمية الأجيال العربية عن قضيتهم ومقدساتهم، بتمرير التطبيع المشبوه، لدفن العداء العربي لإسرائيل، والإبقاء على العداء الإسرائيلي للعرب، متخفياً تحت ابتسامة قادة الكيان المزيفة، كنارٍ تحت الرماد تنتظر خريفنا لتشتعل.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=87278