نافذة على الصحافة

طائشة وغير مسؤولة.. واستدراج متبادل


ليس هناك سبب يفسر زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان سوى رغبة واشنطن في استدراج بكين إلى المواجهة لكن الصين في المقابل لا تبدو في وارد الانجرار إلى كارثة لا يمكن التكهن بمآلها.

العاصفة التي ولدتها الزيارة هدأت قليلاً بحسب ما جاء في مقال لصحيفة الأخبار اللبنانية، وإذا كانت الصين أبقت على مستوى تحذيرها مرتفعاً، فهي لم تقدم على أي خطوةٍ غير محسوبة، باستثناء تكثيف مناواراتها العسكرية في محيط المضيق.

وقالت الصحيفة إن التهور الأميركي والإصرار على المضي قدماً في الزيارة من دون الاكتراث لتداعيات كان يمكن -في ما لو صعّدت بكين فعلياً- أن تتسبب بكارثة عالمية، هو ما ليس واضحاً على الإطلاق، ولم تأت هذه الزيارة بجديد لطرفيها سوى أنها أعادت تعريف ما هو معرف: تايوان ساحة المعركة الأميركية - الصينية الأكثر سخونة، وقطعت بيلوسي كل هذه المسافة، و"خاطرت" كل هذه المخاطرة لتؤكد للحكومة التايوانية الحليفة أن "التزام أميركا لا يزال ثابتاً تجاه شعب تايوان ولعقود مقبلة"، وأن بلادها لا تقبل أن يحصل أي مكروه لتايوان بسبب غزو أو استعمال للقوة، وأن الكونغرس الأميركي بفرعيه الديموقراطي والجمهوري ملتزم بأمن الجزيرة وبحقها في الدفاع عن نفسها.

وتابعت الصحيفة: دفعتفزيارة بيلوسي الصين إلى اتخاذ مجموعة إجراءات، من مثل تكثيف تدريباتها العسكرية في محيط الجزيرة، والتي وصفتها بـ"الضرورية والمشروعة". وأفادت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ بأنه "في الصراع الحالي المحيط بزيارة بيلوسي إلى تايوان، فإن الولايات المتحدة هي المحرض، والصين هي الضحية"، مذكرة بأن "علاقاتنا مع واشنطن قامت على أساس مبدأ صين واحدة، وعلى أن تايوان جزء من بلادنا".

وأضافت الصحيفة: لم ترق الزيارة لكثيرين؛ من بين هؤلاء توماس فريدمان الذي لمح في مقالته المنشورة في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الخطوة جاءت خلافاً لرغبات الرئيس الأميركي، واصفاً إياها بـ"الطائشة والخطرة وغير المسؤولة على الإطلاق"، خصوصاً أنها "لن تأتي بشيء جديد، ولن تجعل تايوان أكثر أمناً أو ازدهاراً". الزيارة التي قال فريدمان إنها "رمزية بحتة" كان يمكن بحسبه أن تحدث "الكثير من الأمور السيئة"، مثل "رد عسكري صيني يمكن أن يؤدي إلى انزلاق الولايات المتحدة في صراعات غير مباشرة مع روسيا والصين المسلحتين نووياً، في آن واحد".
وبحسب فريدمان، فإن "توقيت الزيارة لا يمكن أن يكون أسوأ، لأن حرب أوكرانيا لم تنته بعد، والمسؤولون الأميركيون قلقون من القيادة الأوكرانية أكثر مما يصرحون به. وهناك عدم ثقة عميق بين البيت الأبيض والرئيس الأوكراني أكثر بكثير مما قيل... الحرب الأوكرانية غير مستقرة ولا تخلو من مفاجآت خطيرة جداً... مع ذلك، وفي خضم كلّ هذا، سنخاطر بالصراع مع الصين حول تايوان، بسبب زيارة تعسّفية وعبثيّة لرئيسة مجلس النواب".

ويرى موقع قناة العالم أن من الطبيعي اعتبار تايوان قضية مصيرية بالنسبة لبكين. ومصيرية هذه القضية تمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط استخدمتها واشنطن من خلال زيارة بيلوسي رغم التهديدات الصينية والتحذيرات داخل الولايات المتحدة، وتساءل الموقع: لماذا تريد الإدارة الأميركية استفزاز الصين وجرها إلى مواجهة قد تتطور إلى حرب؟
وتابع الموقع: هناك عوامل تدفع بواشنطن إلى جر الصين إلى مواجهة وهي:
.تعتبر الولايات المتحدة الصين الخطر الأكبر عليها، لا سيما من منظور التهديد التكنولوجي الذي تمثله بكين. إضافة إلى التهديد الاقتصادي الذي يمنح بكين ورقة قوية على الساحة الدولية.
.موقف الصين من الحرب في أوكرانيا وتقاطعه مع الموقف الروسي بالرغم من عدم إظهار الصينيين أي انخراط في الحرب. وأيضاً رفض بكين الانضمام إلى واشنطن والأوروبيين في حرب العقوبات التي شنوها على موسكو.
.الهاجس الأميركي من التمدد الصيني باتجاه مناطق نفوذه، لاسيما في الشرق الأوسط حيث النفط والغاز الذي يحتاج الأميركيون والأوروبيون للحد من التأثيرات الكارثية للحرب التي أشعلوها في أوكرانيا.
.الخوف الأكبر لدى الأميركيين هو من إمكانية فقدان تايوان التي تحتكر وتستأثر بصناعة الرقائق الذكية في العالم، والتي تدخل في الصناعات الإلكترونية عالية الدقة وتشمل الرقائق التي تشغل طائرات (إف 35) الأميركية.
.الطفرة الواسعة في إنتاج الأسلحة لدى الشركات الأميركية وبالتالي لا بد من صراع يستهلك هذه الأسلحة، ويبدو أن الصراعات المنتشرة في العالم من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية والشرق الأوسط لم تعد كافية لاستهلاك السلاح الأميركي، ما يعني أن صراعاً مع الصين سيؤمن مشتريات هائلة للأسلحة الأميركية من قبل حلفاء واشنطن.
وطرح الموقع سؤالاً آخر: ما الذي ستفعله الصين؟
وتابع الموقع: هناك أكثر من خيار أمام الصينيين للرد على زيارة بيلوسي لتايوان والتي تهدف فقط إلى استفزاز بكين، وهي:
.شن عملية عسكرية خاطفة محدودة تفرض تغيراً في العلاقة بين بكين وتايبيه، قد تكون نوعاً من فرض إجراءات جديدة ومختلفة في مضيق تايوان.

.شن عملية عسكرية شاملة تنتهي بضم تايوان وإعلانها نهائياً جزءاً من الصين، خاصة وأن الرئيس الصيني شين جين بينغ قال بصراحة إن توحيد الصين وتايوان حتمية تاريخية لا بد أن تحدث.
.اللجوء إلى سلاح الاقتصاد، ولدى الصين أكثر من ورقة تلعبها في هذا السياق، منها الديون الأميركية لدى بكين، حيث يحضر خيار بيع سندات الخزينة الأميركية التي تمتلكها بكين والمقدرة بنحو تريليون دولار، وهو ما سيضع الولايات المتحدة في وضع الدولة العاجزة عن تسديد ديونها ويلحق بها ضرراً سياسياً ملحوقاً بتبعات اقتصادية كبيرة.

وختم الموقع: قد يكون من غير المنطقي حالياً الحديث عن مواجهة شاملة بين الصين والولايات المتحدة، فواشنطن تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة جداً، والحرب الأوكرانية زادت من مشاكل إدارة بايدن، والدخول في حرب جديدة سيقضي على شعبية الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية والرئاسية، وفي المقابل لا تزال الصين تبني قدراتها العسكرية والاقتصادية، وهي عملية تريد إنهاءها بشكل تام خلال 15 عاماً بحسب التقديرات. لذلك لا تحتاج بكين إلى مواجهة عسكرية تؤخر هذه العملية.
لكن سيناريو مواجهة شبيهة بما يحصل في أوكرانيا يبدو متاحاً، وقد يكون خياراً صينياً بهدف استغلال فرصة ما متاحة لضم تايوان بدون أي تبعات خطرة، وعليه قد يكون ما جرى في الأيام الأخيرة استدراجاً صينياً للأميركيين للدخول في مواجهة سياسية وكلامية وربما عسكرية محدودة تنتهي بتحقيق أهداف بكين بأقل خسائر ممكنة.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=87214