نافذة على الصحافة

بايدن والورقة الأخيرة


ظهر الخداع الأميركي والدعاية الإعلامية الفارغة عن "ناتو عربي"، إذ إن الدول التي تم الإعلان أنها ستكون ضمن هذا الحلف تدور أساساً بالكامل ضمن السياسة الأميركية، وتوجهاتها لا تتجاوز إرادة واشنطن.

 

يسيطر الروس على المواجهة مع الغرب من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية في المقابل، ولا يمكن إلا ملاحظة خيبة الدول الغربية (دول الاتحاد الأوروبي والناتو)، بعد أن فقدت -وكما رأى شارل أبي نادر في موقع قناة الميادين- أي قدرة على التحكّم في هذه المواجهة التي اختارتها أصلاً واستدرجت موسكو إليها، عندما تنكر جميعهم للحقوق التاريخية في حماية أبناء الدونباس ذوي الأصول والثقافة الروسية، وتجاهلوا عمداً الضمانات الأمنية والعسكرية والاستراتيجية التي طلبتها موسكو، بعد أن ضيقوا الخناق عليها إلى أبعد الحدود، من البحر الأسود، ومن بحر آزوف، ومن كامل شرق أوكرانيا وشمال شرقها.

 

وقال الكاتب: تعذر على الغرب مواجهة رد الفعل الروسي أو هذه العملية العسكرية الخاصة بطريقة عسكرية، على المستوى الأخطر (أي النووي)، إذ كان الدمار الشامل سيغدو سيد الموقف، أو على مستوى عمل عسكري تقليدي واسع، إذ منع عدم انخراط أوكرانيا في الناتو التدخل الغربي العسكري المباشر، لعدم إمكانية تفعيل المادة الخامسة من قانون الحلف، وفيما كان سلاح العقوبات والضغوط الاقتصادية على موسكو هو السلاح الوحيد الذي عوّل عليه الغرب لمحاولة عرقلة العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فقد انقلب اليوم سلاحاً مضاداً، وخصوصاً على الأوروبيين، الذين فقدوا، كما يبدو، أي أمل بإيجاد بديل مناسب وكافٍ للطاقة الروسية، وخصوصاً الغاز، في وقت تنهار عملتهم المميزة "اليورو"، التي كانت الأقوى غربياً أمام أعينهم تماماً كما خطط الأميركيون منذ فترة بعيدة.

 

استناداً إلى المعادلة الأخيرة أعلاه (كما خطط الأميركيون منذ فترة بعيدة لانهيار اليورو)، ننطلق في مقاربة أهداف زيارة بايدن الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، ونطرح أكثر من تساؤل عن نتائجها وإذا ما تحققت هذه الأهداف أو إذا كانت حقيقةً هي الأهداف التي يريدها الأميركيون، أو أن أهدافهم الحقيقية، وكالعادة، تكون مخفية وغير ظاهرة، وخصوصاً أنه لا يمكن استبعاد الاستراتيجية الأميركية القديمة الجديدة التي تقوم فعلياً على كسر روسيا لإخراجها من معادلة التنافس الدولي على قطبيتها الأحادية للعالم، بالتزامن مع إضعاف الاقتصاد الأوروبي واليورو، لإبقاء القارة العجوز تحت سلطة الولايات المتحدة، فتتحكم فيها كما تريد، من دون استقلالية أي قرار على الصعيد الدولي.

 

وأضاف الكاتب: يمكن استنتاج الموقف الأميركي الضعيف الذي ظهر في حاجة واشنطن إلى كسب رضا السعودية وإيران في الوقت نفسه، وإن لم تصرح علانيةً بذلك حول إيران، الأمر الذي يعتبر مؤشراً إلى فقدانها المناورة والمبادرة، على عكس ما كان عليه الأمر قبل الحرب في أوكرانيا، إذ تتنازل هذه الإدارة الأميركية اليوم، وتستعطي موقفاً "نفطياً" من السعودية، وقد لا تحصل عليه، بهدف التخفيف من ضغوط أسلحة روسيا الاقتصادية عليها وعلى حلفائها الأوروبيين، وفي الوقت ذاته، تأتي إلى "تل أبيب"، وهي كإدارة ديمقراطية كانت تاريخياً الحامي أو الراعي الأول لـ"إسرائيل"، وتعمل على إقناع الإسرائيليين بتفهم ما تعمل عليه مع إيران تحت غطاء العودة إلى الاتفاق النووي معها، بهدف فعلي هو ضخ طهران أكبر كمية من النفط والغاز الإيرانيين في الأسواق الغربية، وبسرعة لا تتجاوز شهرين، قبل الشتاء القادم.

 

وتابع الكاتب: هذا على صعيد الموقف من واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، أما على صعيد الموقف الحقيقي منها في أوروبا، حيث يبدو أن القادة الأوربيين بدؤوا يبحثون عن مخرج من هذه الورطة الكبيرة التي أدخلتهم فيها واشنطن بمواجهة روسيا وإمكانياتها العسكرية والاقتصادية الضخمة، فيمكن استنتاج هذا الموقف الأوروبي الحقيقي من واشنطن من تصريح نائب البوندستاغ عن حزب اليسار الألماني سيفيم داغديلين التي أعلنت "أن العقيدة الاستراتيجية لحلف الناتو تهدف إلى تعزيز الآلة العسكرية العالمية للغرب، بعد أن أثبتت الحروب التي شنها الناتو بقيادة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، أن الناتو ليس حلفاً دفاعياً، بل هو أكبر آلة عسكرية في العالم".

 

وتابعت النائب: "خطط ضم فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي تدل على انتهاك الوعود التي قدمها الغرب لروسيا بعدم توسعه"، مذكرةً بكلام البابا فرنسيس بأنّ "نباح الناتو قرب البوابة الروسية أدى دوره في تصعيد النزاع في أوكرانيا".

 

وختم الكاتب: وإذا كانت واشنطن فقدت موقعها المؤثر والقيادي ولو جزئياً في الشرق الأوسط، وكانت على الطريق لتواجَه بموقف أوروبي حاسم لفرض تسوية في أوكرانيا، فإنها عملياً تكون غير بعيدة عن الأهداف الروسية، فكيف لها أن تتابع استراتيجيتها بمواجهة موسكو القوية من دون أسلحتها الدولية، وهي مواقف الدول الحليفة لها؟

 

والأهم من ذلك كله، كيف لها أن تثبت على هذا المستوى المرتفع من الاشتباك الحساس الذي خلقته بمواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وشمال شرق المحيط الهادي؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=87110