وجهات نظر

الإنجازات التي عاد بها بوتين والرسالة المقتضبة

عبدالباري عطوان


تحت عنوان "بعد أنباء إرسال المسيرات الإيرانية المتطورة لروسيا.. ما هي الإنجازات الستّة التي عاد بها بوتين بعد لقائه مع المرشد خامنئي؟ وما هي رسالة الأخير "المُقتضبة" للرئيس أردوغان على هامش القمّة الثلاثية؟ ولماذا يتصاعد القلق الأمريكي من نتائج هذه القمّة؟" كتب عبد الباري عطوان في صحيفة رأي اليوم:


إذا وضعنا التهديدات التركية بغزو سورية، ومناورات أردوغان وتهديداته في هذا الصدد جانبا، وركزنا على الجانب الأهم في قمة طهران الثلاثية وهو العلاقات الروسية الإيرانية التي بلغت ذروة قوتها في اللقاء "المغلق" بين الرئيس فلاديمير بوتين ومضيفه السيد علي خامئني، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، فيمكن القول إننا أمام تحالف عسكري وسياسي واقتصادي بين الجانبين بات من الطبيعي أن يثير قلق الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، لما يمكن أن يترتب عليه من تغيير في معادلات القوة والنفوذ في منطقتي الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى.

نشرح أكثر ونقول إنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يجعل الرئيس الروسي من طهران أول عاصمة خارجية يزورها منذ العملية في أوكرانيا في شباط الماضي، وتزامنت هذه الزيارة مع تصريحات لجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أكد فيها اتفاقاً عسكرياً بتزويد إيران لروسيا مئات الطائرات المسيرّة، وذهاب وفد من الخبراء العسكريين الإيرانيين إلى موسكو لتدريب الكوادر الروسية على كيفية تشغيل هذه الطائرات.

الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد أثناء زيارته للسعودية لتزعم قمة جدة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، أن بلاده لن تسمح بحدوث فراغ أمني استراتيجي في المنطقة يملؤه التحالف الصيني الروسي، وها هو الرئيس بوتين يتخذ خطوة كبرى لملء هذا الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي، بتوثيق علاقاته الاستراتيجية مع طهران على هامش مشاركته في القمة الثلاثية، واللقاءات الثنائية التي عقدها مع القيادتين الروحية السيد خامنئي والتنفيذية الرئيس إبراهيم رئيسي.

هناك مجموعة من الإنجازات الاستراتيجية حققتها زيارة بوتين لطهران على الصعد كافة، تصب في مصلحة توثيق التحالف الجديد:

الأولى: توسيع منظومة "البريكس" التي تضم روسيا والصين إلى جانب الهند وجنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية بضم إيران القوة الإقليمية الصاعدة إليها.

الثانية: تقديم إيران طائرات مسيّرة إلى روسيا تعوض خسائرها في الحرب الأوكرانية وتعزز قدراتها الهجومية، وبما يؤكد أمرين أساسيين: الأول تقدم الصناعات العسكرية الإيرانية وتطورها، والثاني حسم إيران لموقفها في هذه الحرب بإلقاء كل ثقلها خلف الحليف الاستراتيجي الروسي الجديد، وربما تحصل في المقابل على أسلحة روسية متطورة مثل طائرات “سوخوي”، ومنظومات صواريخ “اس 400”.

الثالثة: استفادة روسيا بشكل مباشر من الخبرات الإيرانية التي تمتد لأكثر من 40 عاما في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، ولا نعتقد أن إيران ستبخل على الرئيس بوتين وحكومته بمثل هذه الخبرات بعد أن أصبحا في خندق واحد في مواجهة العدو الأمريكي المشترك.

الرابعة: تنسيق إيراني روسي كامل في حرب الطاقة الحالية، فروسيا تحتل المرتبة الأولى في إنتاج الغاز وصادراته عالميا، تليها إيران، مضافاً إلى ذلك احتلالها مرتبة متقدمة في إنتاج النفط أيضا، حيث تتربع روسيا على المرتبة الثانية (9 ملايين برميل من الصادرات يومياً)، وتحتل إيران مكانة فاعلة ومهمة في منظمة “أوبك”.

الخامسة: توسيع حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وتوقيع اتفاقات مهمة لتحقيق هذا الهدف، مثل توقيع شركة النفط الإيرانية الوطنية اتفاقا في تزامن مع هذه القمة بمذكرة تفاهم قيمتها 40 مليار دولار مع نظيرتها الروسية العملاقة “غازبروم” لتطوير حقلي غاز وستة حقول نفط إيرانية.

السادسة: اشتراك إيران بفاعلية مع النظام المالي الجديد الذي تسعى الصين وروسيا إلى تأسيسه بحيث يكون بديلا عن نظام “سويفت” الأمريكي، يقوم على أساس وقف التعامل بالدولار، وتكوين سلة عملات جماعية موحدة من العملات المحلية، ورفع التبادل التجاري بين البلدين على قاعدة الدفع بالعملات الوطنية.

من الواضح أن دور الرئيس أردوغان في هذه القمة كان محصورا في الملف السوري فقط، لأنه ما زال يضع رجلا في المحور الروسي الصيني الإيراني، وأخرى في المعسكر الأمريكي، ويلعب على جميع الحبال، ومن غير المعتقد أن تغفر له روسيا بوتين إرساله طائرات “البيرقدار” المسيّرة إلى الجيش الاوكراني التي أحدثت خسائر في صفوف القوات الروسية، وإغلاقه مضيقي البوسفور والدردنيل في وجه السفن الحربية الروسية، مضافا إلى ذلك تحشيد قواته على الحدود السورية الشمالية والتهديد بشن هجوم موسع وإقامة حاجز آمن على طولها في إرباك متعمد للقيادة الروسية في ذروة انشغالها بالحرب الأوكرانية، ولكن هذا ليس وقت فتح جبهات إضافية.

رسالة المرشد الإيراني الأعلى لأردوغان أثناء اللقاء المشترك بينهما، كانت واضحة وقوية، وهي أن الخلافات السورية التركية لا يمكن حلها الا بالحوار، وأمن سورية من أمن تركيا، وأن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي المركزية، ولا يجب الاعتماد على أمريكا و”إسرائيل” في حلها، مما يعني أن إيران تعارض بقوة أي هجوم تركي على سورية، وكل خطوات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

زيارة الرئيس بوتين لطهران زيارة تاريخية، وتؤسس للتحالف الثنائي الروسي الإيراني الذي تمخض عنها محور جديد قد يكون له الكلمة الأقوى في مستقبل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سلماً أو حرباً، خاصة إذا أشرنا إلى أنه يأتي استكمالا لتحالف إيراني صيني، ولعل التسريبات التي تتحدث هذه الأيام عن سعي كل من مصر والسعودية، وتركيا بدرجة أقل، للانضمام إلى منظومة “بريكس” والتقدم بطلبات الانضمام فعليا، وفتح مصر قنوات حوار مع إيران في مسقط يؤكد ما ذكرناه آنفا.
الرئيس بايدن كان “نعسانا” فعلا عندما تحدث عن قدرة بلاده منع حدوث فراغ استراتيجي في الشرق الاوسط تملؤه روسيا والصين، فقد امتلأ هذا الفراغ فعلا، وقمة طهران الثلاثية “جبّت” كل ما قبلها بما في ذلك قمة جدة.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=86845