وجهات نظر

تحولات الاستراتيجية الأمريكية في سورية بين المعلن والواقع

حسناء نصر الحسين


كتبت الدكتورة حسناء نصر الحسين في صحيفة رأي اليوم تحت عنوان " تحولات الاستراتيجية الأمريكية في سورية بين المعلن والواقع":

 

عمدت الإدارة الأمريكية ومن خلال اجتماع عقده مجلس الشيوخ الأمريكي، لجنة العلاقات الخارجية للترويج لهذا الاجتماع بما يحمله من عناوين تؤكد رغبة قادة البيت الأبيض بكسر حالة الجمود التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد فشل الإدارات السابقة بإحداث أي تغيير في سلوك القيادة السورية لناحية تموضعها في تحالفاتها الإقليمية والدولية، بعد مضي أكثر من ١١ عاماً من الحرب الكونية عليها.


على الرغم من تنوع الأدوات والأساليب التي اتبعتها واشنطن في حربها ضد الدولة السورية وشعبها إلا أن اجتماعات كهذه تؤكد فشل قادة البيت الأبيض في تحقيق بنك الأهداف التي دخلت لأجلها واشنطن في حرب دموية طاحنة في سورية ليبقى أمن الكيان الصهيوني الإشكالية الأساسية التي فشلت أمريكا في تحقيقها.


وليس أدل من ذلك عودة أمريكا وإسرائيل إلى اللعب بالخرائط التي استقر عليها الوضع في سورية بعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها أدواتها من جماعات إرهابية وما يعرف بقوات المعارضة السورية التي أدت إلى حل معظم منصاتها في الخارج.


لتأتي جلسة الاجتماع هذه لتشي بالكثير من التساؤلات للمشاركين التي تعكس حالة عدم الرضى عن استراتيجية واشنطن في سورية والتي تعكس تباعاً حالة الفشل خلال أكثر من عقد من الزمن وإن كانت قد حققت في بداية الحرب انتصاراً لناحية خروج مساحات واسعة من الجغرافيا السورية عن سيطرة الحكومة السورية التي استطاعت وبدعم الحلفاء تحريرها وتكريس واقع جديد يخالف تطلعات القيادات الأمنية الأمريكية والإسرائيلية ما دفع بقيادات أمنية وسياسية وعسكرية أمريكية إلى إعادة تسليط الضوء على أهداف الاستراتيجية الأمريكية حيال سورية وكيفية تحقيق المصالح الأمريكية  فيها والمطالبة بوضع شروط مناسبة للخروج منها.


هذه التصريحات كان قد سبقها حراك أمريكي عبرت عنه قوى إقليمية تنضوي تحت المشروع الأمريكي في المنطقة والتحركات المشبوهة للقوى الإرهابية على الحدود السورية الأردنية واستهداف عناصر الجيش العربي السوري عبر تفجيرات واغتيالات تؤكد رغبة واشنطن في العودة الى المربع الأول في مشروعها ضد سورية عبر إشعال المنطقة الجنوبية التي كانت قد استقرت بشكل جزئي عبر التسويات والمصالحات وما  التصريحات التي كان قد أطلقها الملك الأردني التي عبر فيها عن خشيته من تواجد القوات الإيرانية في المناطق القريبة من حدود بلاده سوى محاولة لتمرير مشروع المنطقة الآمنة في القطاع الجنوبي على غرار المشروع التركي في الشمال السوري وهذا يدحض بشكل كبير كل ما تروج له واشنطن عبر تقاريرها التي تتحدث عن ضرورة رفع المعاناة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري وإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وضرورة التمديد لمدة عام آخر.


تحاول واشنطن التمسك بالورقة الإنسانية واستغلال الواقع الصعب الذي يعيشه الشعب السوري في محاولة منها لمسح الأدمغة وكأنها ليست رأس الأفعى في هذه المعاناة التي يعيشها السوريون منذ عدة سنوات، عبر دعم الإرهاب وتدمير البنى التحتية وسرقة الموارد الأساسية للمواطن السوري بالإضافة للعقوبات الاقتصادية التي حولت حياة الشعب السوري إلى ما هي عليه الآن.


جملة من التناقضات عبر عنها المشاركون في جلسة مجلس الشيوخ الأمريكي عبر عنها قولهم بالحرص على مناطق خفض التصعيد بينما الحراك الأمريكي على أرض الواقع يقول غير ذلك، والادعاءات الأمريكية التي تطالب بإيصال المساعدات الإنسانية وتمديد فترة دخولها عبر المعابر غيرال شرعية والتي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، يقابلها تشديد الحصار ومضاعفة العقوبات وقانون قيصر.


والأهم فيما يكشف ضمن الاستراتيجية الأمريكية والجديد فيها هو الدور الأردني الذي عاد إلى الواجهة بتورطه في استهداف سورية عبر أراضيه ولن نتفاجأ لو سمعنا عن عودة غرف العمليات للاستخبارات الأمريكية الغربية الإسرائيلية التي تدعم وتغطي تحركات العصابات الإرهابية على الحدود السورية الأردنية، وفي هذا توجه أمريكي إسرائيلي وجدناه في عودة التفجيرات واستهداف الجيش العربي السوري مؤخراً وهذا يؤكد أن أمريكا لم تغير استراتيجيتها في سورية بل عملت على تكريس ما بنته سابقاً ضمن استراتيجية عدائية تستهدف سورية بكل أشكال الاستهداف ليبقى أهم هدف ضمن هذه الاستراتيجية هو حماية "إسرائيل" والحفاظ على تفوقها، وفي أهم شواهده هو الغطاء الأمريكي لكيان العدو الإسرائيلي في اعتداءاته وعدوانه المستمر على سورية، ولذلك يظل الحديث والمطلب الأمريكي منحصراً في تواجد إيران وحلفاء سورية في الأراضي السورية الذي يرون فيه التهديد الأكبر والأخطر والاستراتيجي على أمن وسلامة الكيان الإسرائيلي، وهذا يؤكد أن أي تغير في الاستراتيجية الأمريكية لو حصل لن يخرج عن نطاق تحقيق الهدف الأول والأساس وهو حماية أمن الكيان الصهيوني ومساعدته على البقاء متفوقاً في منطقة الشرق الأوسط التي حدث فيها متغيرات لم تستطع أمريكا نفسها إنكارها.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=86436