أحوال البلد

واقع صناعة البرمجيات في سورية


خاص الإعلام تايم- فريال خضور
تعد صناعة المعلومات والاتصالات، التي تعرف اختصاراً بالإنكليزية "ICT"، صناعة القرن الحادي والعشرين التي تقود التطورالاقتصادي، فهي صناعة كثيفة المعرفة وذات قيم مضافة مرتفعة جداً. لذلك تركزعليها الدول المتقدمة بسبب ارتفاع قيمتها المضافة، وبسبب كونها قطاعاً مفصلياً قيادياً في قيادة اقتصاديات العالم بل وقيادة العالم سياسياً بما يخدم مصالح الدول المتقدمة، حسب دراسة أعدها المركز العربي للتنمية (ADC) لصالح الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية ووزارة الاتصالات والتقانة في سورية.
يشار إلى أن صناعة تقنية المعلومات هي أولى الصناعات العالمية الصاعدة، ويقدر معدل نموها السنوي بنحو 16% بينما يقدر نمو الإنتاج العالمي الكلي بنحو 2.5%، ومعدل نمو السكان عالمياً بنحو 1.6%. ويقدرالإنتاج العالمي الحالي من صناعة البرمجيات بنحو 200 مليار دولار، وهو ما يعادل ربع الإنتاج لجميع أعمال الصناعات الإلكترونية. وتقدر حصة أمريكا من هذا الإنتاج بنحو 50%، أوروبا 25%، واليابان 13%.
ورغم كل ذلك فهذه الصناعة لا تلعب في سورية سوى دور متواضع حتى الآن في الاقتصاد السوري، وهو أقل بكثير من الممكن. لذلك فثمة حاجة لدراسة إضافية جديدة تضيف على ما تم من قبل من دراسات لتحدد مكامن القوة والضعف والفرص والتحديات على نحو أكثر قرباً من الواقع، ثم لتصوغ؛ بناءاً على كل ذلك؛ إطاراً عاماً لاستراتيجية وطنية وبرنامج عمل لتطوير هذه الصناعة.
من أجل ذلك قامت الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في سورية بالتعاقد مع المركز العربي للتنمية "ADC" للقيام بهذه الدراسة بناءاً على الشروط المرجعية المعدة من قبلها. وتهدف الدراسة إلى خلق معرفة أفضل بأهمية صناعة البرمجيات في سورية، والتعرف العميق على واقع هذه الصناعة من كافة جوانبها، جانب الطلب وجانب العرض والجوانب الأخرى المختلفة ذات العلاقة، لتشخيص نقاط القوة والضعف وإمكانيات تطويرها، ووضع  خطوط عامة لاستراتيجية وطنية لتنمية هذه الصناعة مع برنامج تنفيذي لوضع الاستراتيجية قيد التطبيق.
تتميز صناعة البرمجيات عموماً والسورية خصوصاً التي تعد إحدى مكونات اقتصاد المعرفة، بمجموعة من الخصائص المتلائمة مع الاقتصاد السوري:
• انخفاض رأسمالها الثابت قياساً برقم أعمالها، فالمنتج البرمجي لا يتطلب توفير صالات إنتاج ومعدات وتجهيزات كبيرة ومواد أولية وكثافة في قوة العمل لإنتاجها، فهو لا يتطلب سوى الحاسوب  وطاولة عمل وخط إنترنت فعال.
• ارتفاع قيمتها المضافة مقارنة بأية صناعات أو خدمات أخرى مما يجعل قوة العمل السورية الشابة نقطة قوة كبيرة لسورية شريطة تأهيلها المناسب، إذ تعد معظم قيمة البرمجيات قيمة مضافة بسبب انخفاض قيمة المواد الأولية المستعملة فيها إلى حد بعيد، ولانخفاض قيمة الاهتلاكات بسبب انخفاض رأسمالها الثابت.
• تتميز بأهمية المورد البشري باعتباره رأس المال الأول والأهم في هذه الصناعة، ويتطلب المنتج البرمجي جهوداً ذهنية وفكرية بعيداً عما يبذله الإنسان من جهود عضلية، وهي تخلق فرص عمل بأجور مرتفعة، غير أنها تتطلب من جهة أخرى تأهيلاً أكاديمياً وتدريباً جيداً، فهي جزء من اقتصاد المعرفة.
• المنتج البرمجي منتج غير ملموس "intangible" فلا تعد السلع البرمجية المنتجة سلعاً استهلاكية كبقية السلع الناتجة من الصناعات الأخرى.
• تتميز بمرونة أوقات العمل، فليس في صناعة البرمجيات وقت محدد للعمل، إلاّ في حالات اعتبارية، إذ تأتي الأفكار البرمجية التي تتبادر إلى أذهان المتخصصين في أوقات مختلفة، فيمكنه أن يعمل في كل وقت.
• تتميز بمرونة مكان العمل فليس من الضروري العمل في مكتب محدد بل يمكن العمل في البيت أيضاً بالارتباط مع مركز العمل.
• تتلاءم خصائص الشخصية السورية للعمل في هذه الصناعة التي تتطلب من الأشخاص العاملين فيها القدرة والجلد على العمل لساعات طويلة، كما تتطلب مواهب ومهارات خاصة وقدرة على الإبداع والابتكار وهو ما تميز به السوريون تاريخياً.
• معرفة الواقع السوري والقدرة على تحديد مشكلاته والقيام ببحث واقعي لتقديم حلول مناسبة للسوق يجعل دورها ضرورياً، ولا يمكن للبرمجيات المستوردة أن تلبي متطلبات هذا الواقع، وهذه مزية لشركات البرمجيات ومكاتبها.
• التواصل مع الأسواق المجاورة المتشابهة في واقعها ومشكلاتها وهذا ما لا يستطيع غير المبرمجين السوريين القيام به.
• استخدام اللغة العربية في البرمجيات السورية مميز قوي لمكاتب البرمجة السورية مقارنة بالبلدان العربية والعالم مما يعطيها تميزاً يمكن الاستفادة منه بشكل أكبر بكثير.
ومن خلال الاستبيان المنفذ لهذه الدراسة، يظهر أن ثمة معرفة بمدى ملاءمة هذه الصناعة ومدى ترشحها للنمو. إذ يبين الجدول رقم (58ع) أن 60% من الشركات السورية ترى أن بإمكان صناعة البرمجيات في سورية أن تلعب إلى حد كبير دوراً أهم في الاقتصاد السوري في المدى المنظور، مقابل 25% منها تعتقد ذلك إلى حد ما.
ومقابل المزايا وبالرغم منها فإن واقع هذه الصناعة، كما تظهره الدراسات السابقة، يعد ضعيفاً.
وتقف مجموعة من الأسباب خلف ضعفها في سورية:
- عدم وجود استراتيجية حكومية معتمدة موضوعة قيد التنفيذ مما يعيق تقدم الخدمة في السوق وعدم اهتمام السياسة الحكومية في الفترة السابقة بهذه الصناعة بالمستوى المطلوب.
- ضعف تنفيذ ما ورد في الخطة الخمسية العاشرة فيما يخص تطوير صناعة البرمجيات، وضعف البينة التحتية لصناعة البرمجيات والتي مازالت لا تساعد بالقدر الكافي على خلق نشاط أعمال مربح واسع وخاصة وضع خدمات الإنترنت التي تعد العمود الفقري لهذه الصناعة.
- ضيق السوق وضعف الطلب في القطاعين العام والخاص هو العامل الأهم والحاسم في ضعف تطور هذه الصناعة وخاصة ضيق السوق وضعف الطلب الحكومي الذي هو السوق الأهم لصناعة البرمجيات في سورية.
- نقص البنية التشريعية المناسبة لنمو هذه الصناعة وكذلك نقص البنية المؤسسية وضعفها.
- ضعف استراتيجيات خبرات وقدرات الترويج والتسويق والمشاركة في المعارض المحلية والدولية و ضعف مخصصات التسويق.
- غياب الاستثمارات الكبيرة عن هذه الصناعة بسبب ضعف السوق وضعف الوعي بممكنات نمو أرباحها.
- لا يوجد إحصاء واف عن شركات ومكاتب صناعة البرمجيات. ومن الصعب القيام بتقدير دقيق بسبب الشركات الصغيرة والصغيرة جداً، ناهيك عن المبرمجين الأفراد، وتتقاطع تقديرات عدة أن عدد الشركات المعروفة يتراوح بين 140-150 شركة لغاية عام 2010. ومعظم الشركات صغيرة الحجم بالمقاييس الدولية والقليل منها متوسط وأغلبها أشبه بالدكاكين ويتسم أعمال الكثير منها بالطابع التجاري، وتسويق منتجات مستوردة. وأقل من 20 من بينهم تنتج أو تطور برمجيات والقليل من الشركات يمكن اعتباره مقدم حلول متكامل total IT solutions لقطاع الأعمال.
- ضعف تعاون شركات البرمجيات مع بعضها بحيث تجمع قدراتها الصغيرة والمتوسطة لتكون جسماً أكبر وتجمع خبرات أكثر تستطيع التصدي للمشروعات الأكبر وتكون أكثر إقناعاً للزبائن في القطاع الحكومي والقطاع الخاص السوري إضافة للسوق الخارجية وخاصة السوق العربية.
- قلة الكفاءات ذوي الخبرات وإن وجد عدد من الخريجين فلم يكونوا خبراتهم بعد. وذوي الخبرات يهاجروا طلباً لدخل أعلى وهرباً من خدمة العلم.
- دوران الخبرات وتركها العمل في شركات البرمجيات ومكاتبها لفترات طويلة بسبب انخفاض مستوى الرواتب
- بعض الشركات متوسطة الحجم حيث تمارس نشاطات متعددة في آن مثل بيع العتاديات للمعلوماتية والبرمجيات وتجهيزات الاتصالات.
- لا يمتلك أصحاب المصلحة أي الجهات المستخدمة للبرمجيات في القطاعين العام والخاص نفس الوعي بأهمية قطاع المعلوماتية ولا يملكون نفس الخبرة بما يسمح بتطوير نشاط مربح يساعد على النمو.
- لا يملك غالبية العاملين في صناعة البرمجيات التأهيل الأكاديمي المناسب وإن ملك الخبرة الفنية غابت خبرة الممارسة.
- طريقة التعاقد الحكومية معقدة خاصة وأن الحكومة ما زالت الزبون الأكبر فالقانون المطبق هو قانون العقود /51/ لعام 2004 وهو مصمم ليناسب توريدات مادية مثل مشتريات المواد والآلات والتجهيزات وما شابهها أو تنفيذ مشروعات مادية أو ما يسمى توريد وتركيب وهي مشكلة لا تحل بدون تطوير قانون العقود كلياً.
- ضعف مؤسسات التدريب وضعف الوعي بأهمية التدريب.
- قيود على عدد من النشاطات يسبب تضييق السوق مثل القيود على (VOIP) والقيود على ربط مكاتب الشركات المتباعدة للشركة الواحدة.

ومن خلال الاستبيان، أعطت شركات البرمجيات رأيها في العوائق، وفي الخصائص غير الملائمة للعب هذا الدور الأكبر، فأعطت المرتبة الأولى للسبب المتعلق باعتبار أن هذه الصناعة تتطلب تأهيلاً أعلى مما هو متوفر في سورية، وأعطت المرتبة الثانية للسبب المتعلق باعتبار أن هذه الصناعة تتطلب علاقة دولية أوسع مما هو متاح لسورية اليوم، وأخيراً لم تر شركات البرمجيات في كبر رؤوس الأموال التي تتطلبها صناعة البرمجيات سبباً معيقاً لأن تلعب دوراً أكبر في الاقتصاد السوري.
دمشق

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=8611