وجهات نظر

أميركا لم تعد القوة العالمية التي ليس لها منازع

أحمد ضوا



أنهي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي الجدل الدائر بين الرافضين الاعتراف بتراجع الزعامة الأميركية على العالم وبين مخالفيهم في الرأي بالقول "إن بلاده لم تعد القوة العالمية التي ليس لها منازع وأن السنوات ال 25 المقبلة لن تكون كسابقاتها" وبذلك تفقد أميركا أهم عناصر هيمنتها.

 

اعتراف الجنرال ميلي لم يكن في مقابلة مع وسائل الإعلام أو في اجتماع لحلف شمال الأطلسي أو على الحدود الأوكرانية البولندية بل أخبر به الطلاب المتخرجين من الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت بولاية آيوا الأميركية وهو ما يكشف حقيقة التحضير الأميركي لمرحلة جديدة وخطيرة تهدد السلم والأمن العالم على نحو كبير لضمان التراجع المتدرج بدلا من الشاقولي لهيمنتها.

 

ما أباح به ميلي لطلابه يعتبره الكثير من المحللين والمراقبين والسياسيين السابقين نصف الكأس الملآن فهؤلاء يرون أن فقدان أميركا لزعامة العالم بات أمرا حاصلا ولن يستغرق 25 عاما كما جاء في كلامه للخريجين الذين يتم تحضيرهم نفسيا وعسكريا وبدنيا ومعرفيا لخوض حروب مستقبلية قد لا تشبه حروب اليوم وليس لمنع قيام مثل هذه الحروب والعمل على المساهمة في ضمان السلام العالمي والتعاون البناء والمتكافئ بين دول العالم لحل المشاكل الدولية بعيدا عن الحروب والحروب بالوكالة.


إن دول العالم تراقب ما يحصل على الساحة الدولية والتغييرات التي أصبحت حقائق على الأرض ويخطئ من يعتقد أن تعاملها مع الولايات المتحدة اليوم هو ذاته قبل عقدين أو عقد من الزمن حيث كانت الهيمنة الأميركية في ذروتها والقرار الأميركي لا يناقش أما اليوم فالكثير من الدول تترد في مواكبة الطلبات الأميركية ومنهم  بعض حلفاء واشنطن ومن المتوقع مع انتهاء العملية الروسية من تحقيق أهدافها في أوكرانيا سيكون العالم أمام تاريخ جديد لا تستطيع في الولايات المتحدة فرض إرادتها حتى على دول حديقتها الخلفية وادواتها التقليديين وهو ما سيتيح لصعود قوى عالمية وإقليمية بدأت تنفض الغبار عن خططها ومشاريعها التي لا تلبي الإرادة الأميركية.

 

في منطقتنا العربية قد لا يتم رؤية التغييرات بوضوح وغالبية الدول تنتظر وتتريث تحسبا لأي رد فعل أميركي أو غربي قبل نضوج الطبخة بشكل كامل ولكن التمعن في بعض السياسات يكشف عن محاولات خجولة لاستكشاف الواقع الجديد ويظهر ذلك بتجنب التفاعل مع تداعيات الأزمة الأوكرانية كما تطلبه عدد من الدول الأوروبية التي تأثرت بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية لمواجهة العقوبات الغربية في كل المجالات وخاصة الطاقة.

 

إن سورية التي زرعت انتصارات جيشها وشعبها في معركة الإرهاب الكونية بذرة التحول العالمي وعطلت مسار مشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي الصهيوني قرأت المستقبل بشكل صحيح ولذلك كانت من أوائل الدول التي عبرت عن موقفها بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما كانت تردده قبل سنوات عن انكسار هيمنة القطب الواحد وتشكل أقطاب جديدة يكرره اليوم الآلاف من المحللين والخبراء والمسؤولين الدوليين وما أباح به رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية يصب في صلب ما اعلنته دمشق قبل أعوام.

 

من المتوقع أن الولايات المتحدة لن تستسلم وستقاتل بشراسة للحفاظ على هيمنتها خلال العقدين القادمين وتأتي دعوة الجنرال ميلي لطلاب المدرسة الحربية كقادة للجيش في الغد إلى تغيير الطريقة التي تفكر بها القوات الأمريكية وتهيئتها لاحتمال نشوب صراع دولي كبير بين القوى العظمى لترجح قيام واشنطن بافتعال حروب وأزمات جديدة في مناطق مختلفة من العالم.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=85481