نافذة عالمية

فرنسا.. المعركة الانتخابية مستمرة




الانتصار الانتخابي في الديمقراطيات شيء هائل والمشهد السياسي الفرنسي الخارج من المنافسة الرئاسية لا يشبه ما كانت عليه فرنسا قبل خمس سنوات، فاليوم هناك كتلتان تحتلان أقصى طرفي الخارطة السياسية (اليمين المتطرف واليسار المتشدد)، وبينهما كتلة وسطية عمادها الرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه «فرنسا إلى الأمام» وشخصيات من اليمين الكلاسيكي والاشتراكيين.


وأكثرمن مرة أشار ماكرون في «خطاب النصر»، إلى أن عليه «إيجاد طرق جديدة» لحكم البلاد طيلة السنوات الخمس المقبلة مذكراً بالصعوبات التي واجهها خلالها.

ومع حصول لوبان على 42 بالمئة من الأصوات أو ما يعادل نحو 14 مليون صوت، فذلك يشكل قوة تصويتية كبيرة.

وإذا تمكنت لوبان، من الحفاظ على هذه القاعدة التصويتية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن ذلك يرشحها للمشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية، إذا أخفق حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" من الحصول على 50 بالمئة من الأصوات.

فهذه المرة الأولى في تاريخ اليمين المتطرف الذي يحصل فيها على نسبة تجاوزت 40 بالمئة، بعدما حقق في رئاسيات 2017، نسبة 33.9 بالمئة، إذ لم يسبق وأن صوّت لليمين المتطرف نحو 14 مليون مقترع في أي انتخابات سابقة.

حيث تم تسجيل أعلى معدل تصويت له في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2017، وحصلت فيها لوبان على أقل من 11 مليون صوت، واعتبر هذا الرقم حينها تاريخيا، قبل أن تكسره لوبان في 2022.

لذلك فالمعركة الانتخابية لم تنته بعد بانهزام اليمين المتطرف، بل مازالت جولة ثالثة للنزال السياسي، عندما تجرى الانتخابات البرلمانية في /حزيران المقبل، بعد نحو 7 أسابيع.

وإذا تمكنت لوبان من المشاركة في حكومة ائتلافية، فمن شأن ذلك أن يقود فرنسا إلى مزيد من الفتح في ملفات الهجرة والإسلاموفوبيا، وفتح ملفات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والاختلاف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية وتشكيل حكومة ائتلافية يكون اليمين المتطرف أحد أطرافها من شأنه فتح أبواب الخلاف مع الرئيس ماكرون، الذي مرت ولايته الرئاسية الأولى في هدوء دون صدام مع الحكومة، خاصة وأن فرنسا تتبنى نظاما شبه رئاسي يتقاسم فيه رئيس البلاد ورئيس الحكومة السلطة التنفيذية.

وقال محللون إن رئاسة لوبان ستشكل أزمة وجودية للاتحاد الأوروبي والناتو في لحظة تاريخية حاسمة بشكل خاص. فمن شأن انتصارها أن يقوض التحالف الغربي بشكل أساسي"، وبالتالي لن يتمكن الاتحاد الأوروبي بعد الآن من تشكيل جبهة متماسكة ضد روسيا في أوكرانيا".
كما ستصبح فرنسا شريكًا مدمرًا داخل الاتحاد الأوروبي، وسيكون لذلك آثار سلبية عميقة على قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل، وسوف يقوض ذلك بشكل أساسي مكانة الاتحاد في بقية أنحاء العالم.

السؤال هنا هل يتمكن ماكرون من فعلها مرة أخرى؟ شيئان اعتمد عليهما ماكرون في حملته الرئاسية الأولى لم يعودا موجودين: هو ليس وجها جديدا في السياسة، ولم يعد برنامجه مجرد رؤية غامضة وغير مختبرة في فرنسا.

الشيء نفسه ينطبق على خصمه في جولة الإعادة مارين لوبان، فقبل خمس سنوات، قال مستشاره السياسي آلان مينك إن رئاسة ماكرون الناجحة ستعني “توجها أوروبيا أقوى، وبطالة أقل، ويمينا متطرفا أضعف”.

وقال هذا الأسبوع: “إذا اعتمدنا نفس المعايير، حدث الأمران الأولان، أما إضعاف اليمين فقد فشل في ذلك، إنه فشل”.

والمفارقة هي أن ماكرون هو الذي ساعد في تطبيع وضع حزب مارين لوبان في الساحة السياسية الفرنسية الحالية عندما أعاد، قبل خمس سنوات، صياغة المعركة السياسية على أنها منافسة بين رؤيته المؤيدة لقطاع التجارة والأعمال والمؤيدة لأوروبا، وبين نزعتها القومية الحمائية، وهذه المعركة ما زالت مستمرة.

والورقة الأساسية هذه المرة هي العدد المتزايد من الناخبين الذين يشعرون بقدر كبير من عدم الوضوح حول من سيكون أسوأ بالنسبة لفرنسا: الزعيمة اليمينية المتطرفة التي تتحدث عن التغيير أم الزعيم الوسطي الذي لا ينصت للآخرين.

تجدر الإشارة الى أن المستشار الألماني ورئيسي وزراء إسبانيا والبرتغال انتهكوا الأعراف المعمول بها وتدخلوا مباشرة في الحملة الرئاسية من خلال رسالة نشرت الأسبوع الماضي في صحيفة «لو موند» دعوا فيها إلى قطع الطريق على مرشحة اليمين المتطرف التي رأوا في نجاحها تهديدا للبناء الأوروبي، بينما ماكرون يدعو لمزيد من الاندماج ويبشر ببناء «الاستقلالية الاستراتيجية» لأوروبا والسير بها كي تكون قوة دفاعية يعتد بها وليس فقط قوة اقتصادية.

ولكن من المهم النظر في التفاصيل التي أحدها أن 28 في المائة من الناخبين قاطعوا انتخابات الدروة الثانية بزيادة 2.5 في المائة عما كان عليه الوضع في العام 2017.

يُضاف إلى ذلك أن الأصوات التي انصبت على ماكرون لا تعني بتاتاً أنها تبنٍ لبرنامجه الانتخابي بل إن جزءاً مهماً منها كان هدفه قطع طريق الاليزيه على لوبان.. وهذه الظاهرة اعترف ماكرون شخصياً بها، واعداً أن يكون «رئيساً لكل الفرنسيين» وليس مرشح فريق ضد فريق آخر.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=2&id=84980