نافذة على الصحافة

مبالغات الغرب


تبالغ الدول الأوروبية في تحديد أهدافها خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراعات المسلحة، ويسري ذلك أيضاً -بحسب ما جاء في مقال لرمزي عز الدين رمزي في صحيفة الشرق الأوسط- على الحالات التي وعد الغرب فيها بأكثر مما يستطيع الوفاء به، مثلما حدث في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا، حيث جاءت النتيجة معاكسة لمصالحه، وكارثية للدول المعنية وشعوبها.

 

وقال الكاتب: في ما يخص الحالات التي تتعلق بروسيا فإن أول مبالغة من الغرب كانت الإصرار على إذلال ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وهو ما دفع الشعب الألماني إلى عقد العزم على إعادة كبريائه الوطني، الأمر الذي فتح المجال أمام ظهور النازية التي أدت بدورها إلى الحرب العالمية الثانية، أما المبالغة الثانية فكانت الإصرار على تحقيق هزيمة ساحقة على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، نتج عنها فراغ أدى إلى ظهور خصم أكثر قوة وجسارة وهو الاتحاد السوفياتي، وبداية الحرب الباردة التي استمرت نحو أربعين عاماً، وأدت إلى سباق تسلح كانت له عواقب غير حميدة على المستوى العالمي، وفي الحالتين كان من الممكن تجنب إذلال ألمانيا وإلحاق هزيمة ساحقة بها.

 

وتابع الكاتب: أما المبالغة الثالثة، فجاءت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث سعى الغرب إلى استغلال ضعف روسيا لخلق أمر واقع يفرض على موسكو قبول مرتبة ثانوية في المعادلة الدولية. ولذلك، جرى الإسراع في توسيع كل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، من خلال استيعاب الحلفاء السابقين للاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية، ولكن، ما لم يأخذه الغرب في الاعتبار هو أن روسيا أمة فخورة، تمتلك تاريخاً زاخراً وتقاليد راسخة أعطياها شعوراً بأنها "دولة استثنائية".

 

وأضاف الكاتب: إن أي مهتم بالتاريخ الروسي لا يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن هناك خصائص متأصلة ومستمرة في العقلية الروسية، انعكست في النظام السياسي، وهذه الخصائص هي التي أدت إلى عدم استيعاب روسيا في المنظومة الغربية، وخلقت حالة من الخصومة المتقطعة بينها وبين الغرب، وأمام هذا الشعور بالاستثنائية والوطنية العميقة للشعب الروسي، لم يكن هناك شك في أن روسيا كانت ستعمل على إعادة اعتبارها لدى الغرب بعد المهانة التي شعر بها الشعب خلال حقبة الرئيس يلتسين.

 

وقال الكاتب: تجدر الإشارة إلى أن فلاديمير بوتين، الذي يمثل الجيل الرابع للقيادات الروسية، وُلد عام 1952 أي بعد سبع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، فكان تكوينه السياسي في الفترة التي بدأت فيها مظاهر الضعف تظهر على الاتحاد السوفياتي، وكما كان الوضع بالنسبة لغورباتشوف، فإذا لم يكن بوتين في مقعد الرئاسة لكان شخص آخر من جيله هو الذي سيسعى إلى إعادة الاعتبار لروسيا، ربما بأسلوب مختلف، إلا أنه كان لن يحيد عن دفع الغرب لاحترام مصالح روسيا وشواغلها الأمنية. وهذا هو السياق الذي اندلعت فيه الأزمة في أوكرانيا.

 

وختم الكاتب: إن سعي الغرب إلى هزيمة روسيا في أوكرانيا سيكون بمثابة مبالغة كارثية أخرى. والحل الوحيد هو ضرورة العودة إلى صيغة للتعايش والتعاون بين الغرب وروسيا تحترم خصوصية كل منهما.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=84922