نافذة على الصحافة

لا مدخل إلا عبر دمشق


عادت الكوارث التي نشرها النظام التركي في المنطقة على النظام نفسه بتبعات سلبية استشعرها الداخل التركي وعاشها، فكان الاستمرار في هذا النهج خطراً وخطاً جسيماً، استوجب حلاً لدى الأتراك الذين قرروا العودة إلى سياسة "صفر مشكلات".




أنقرة التي عبثت كثيراً في البلدان المحيطة ترى ضرورة حالية ملحة في استعادة توازنها خصوصاً مع سورية، ولذلك أثارت التسريبات الصحافية بعد زيارة الرئيس بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة الحديث عن رؤية جديدة لأنقرة لإعادة العلاقة مع دمشق، وخاصةً ما ذكرته صحيفة "حرييت" التركية، عن أن "السياسة المتوازنة التي اعتمدتها تركيا مؤخراً والدور الذي لعبته أنقرة في الأشهر الأخيرة، ولا سيّما إزاء الحرب في أوكرانيا، جعلا الوقت الحاليّ مناسباً لحل الأزمة السورية".



الكاتب أحمد الدرزي تساءل في مقال نشره موقع الميادين عن إمكانية أن نشهد بداية عودة العلاقة بين أنقرة ودمشق، وبينهما ما صنع الحدّاد، على الرغم من نفي مصادر في الخارجية السورية ما يجري تداوله.



وقال الكاتب: بالرغم ممّا تسبّبت فيه السياسة التركية من كوارث (باعتبارها الفاعل الخارجي الأكبر في الحرب السورية، بحكم الحدود الأطول للبلدين، والتداخل السكاني الكبير، ودعمها لمجموعات سكانية باستغلالها عزامل طائفية، واحتلالها المباشر لمناطق واسعة من الشمال السوري)، فإن استمرارها في السياسات نفسها انعكس على إردوغان وحزب "العدالة والتنمية" بشكل سلبيّ على مستوى الداخل التركيّ.. ذلك أن الانتقال التركي من رِهانات القوة الناعمة في تسيّد المنطقة، إلى رِهانات القوة الخشنة، دفعَ إلى تدخل القوى الحليفة لدمشق، والمتضرّرة من سياسات أنقرة، وخاصةً إيران وروسيا والصين، إلى التدخّل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، لمنع سقوط سورية في يد تركيا، وهي التي شكلت رأس حربة الناتو والولايات المتحدة في هذه الحرب، الأمر الذي تسبّب في تراجع الاقتصاد التركي إلى أدنى مستوى، وتلاشي ألق التجربة الإردوغانية داخلياً، وانخفاض مستوى معيشة الأتراك، وترافق ذلك مع الفساد العائلي الكبير بالاستحواذ على مفاصل الاقتصاد التركي، وهو ما أدّى إلى انخفاض مستوى المؤيدين لإردوغان إلى حدود 33%، وهي أدنى نسبة منذ أن تسلّم الحكم في عام 2002. معطيات تجعله يعيش هاجس عدم نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.



وأضاف الكاتب: مجمل هذه التبعات دفع بالرئيس إردوغان إلى إعادة رسم سياساته في كل المنطقة، ومحاولات العودة لاستراتيجية "صفر مشكلات"، بعد أن تسبّبت سياساته التوسعيّة الخشنة من جهة، والفساد الداخلي من جهةٍ أُخرى، في خسائر داخلية كبيرة، ولكن إعادة رسم السياسة هذه لا يمكن أن تصل إلى نتيجة إيجابية في ظل استمرار سورية على وضعها الحالي؛ فالقادة الأتراك يدركون أن لا وجود لمدخل لهم إلى المنطقة العربية إلا من البوابة السورية.


وتابع الكاتب: لم تُظهر دمشق نفياً قاطعاً على مستوًى دبلوماسيّ عالٍ ومعلن، لما يُنشَرُ من التسريبات التركية حول إمكانية عودة العلاقات مع أنقرة، ولكن هذا لا يمكن أن يتم باستمرار احتلال أنقرة لمناطق واسعة من الشمال السوري، والعمل على تتريكها، إضافة إلى استمرار دعم "المجموعات المسلحة"، ومحاولات تركيب دستور جديد يُوسّع من نفوذها في سورية.



وختم الكاتب: إن مسألة عودة العلاقات بين تركيا وسورية أمر حتمي، ولكنها محكومة بعقبات كثيرة، واشتراطات سورية لا يمكن لأنقرة إلا أن تحقّقها، مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية في مجال إعادة الإعمار، وتأمين حدودها الجنوبية مع سورية، والوصول إلى حقيقة لا مفرَّ منها لتركيا، ولجميع دول المنطقة وشعوبها، بضرورة العودة إلى السياق التاريخي الطبيعي، وفقاً لسياسات جديدة بعيدة عن الصراعات المدمرة، والتحوّل نحو مفهوم جديد، مبنيّ على ضرورة بناء نظام إقليميّ جديد لصالح الجميع، شرط عدم تقَبُّل "إسرائيل" الغريبة عن النسيج الطبيعي التاريخيّ.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=84724