تحقيقات وتقارير

في يوم الأرض.. باقون ما بقي الزيتون


خاص || تمام اسماعيل

يمثل الصمود الفلسطيني أسطورة حقيقية، لم ينل من صلابته جبروت الاحتلال الإسرائيلي وطغيانه، ولم يهزه صمت العالم على جرائم كيان استباح الأرض وأمعن في أهلها قتلا وتهجيرا، فكان هذا الصمود، رمزا للشعب الحر الأبي ومنارة لكل من يريد أن يتعلم معنى الكرامة، ورفض الظلم. 
 
ويعدُّ يوم الأرض واحداً من تجليات هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي مازال يمسك بأهداب أعينه ذرات تراب وطنه التي اغتصبها كيان الاحتلال الإسرائيلي رغما عن كل القوانين الإنسانية والدولية.
 
حيث يحيي الفلسطينيون في الثلاثين من آذار من كل عام ذكرى يوم الأرض، تخليدا لأرواح شهداء وهبوا حياتهم في العام 1976، دفاعا عن أرض قام الاحتلال بمصادرتها، لإنشاء بؤره الاستيطانية الغريبة. 
 
أسباب الهبة الفلسطينية في يوم الأرض 
يوم الأرض هو واحد من أبرز المحطات في تاريخ النضال الفلسطيني، حيث سال الدم الفلسطيني على الأرض التي حاول حمايتها، ليثبت الانتماء الحقيقي لها والتشبث بها، ويعطي التاريخ شهادة عن الرابط المقدس بين الفلسطيني أينما كان وأرضه السليبة. 
 
ففي الثلاثين من آذار عام 1976، جرت أول مواجهة بين فلسطيني عام 1948 الرازحين تحت حكم الكيان الإسرائيلي، وقوات هذا الكيان، رفضا لقرار مصادرة سلطات الاحتلال مساحات واسعة من أراضيهم، مما أدى لاستشهاد ستة من الفلسطينيين وجرح واعتقال المئات. 
 
فقد بدأت الأحداث مع إعلان الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين عام 1975عن خطة لتهويد منطقة الجليل، بهدف بناء مستوطنات إسرائيلية على أراض تعود ملكيتها للمواطنين الفلسطينيين، وصادقت حكومة الاحتلال في 29 شباط 1976 على مصادرة 21 ألف دونم تعود ملكيتها لفلسطينيين من بلدات سخنين، وعرابة، ودير حنا، وعرب السواعد في منطقة الجليل. 
 
وعلى إثر هذا القرار، عقدت لجنة الدفاع عن الأراضي التي انبثقت عن لجان محلية، اجتماعا عاما أجري في مدينة الناصرة، وتم الاتفاق على إعلان إضراب عام وشامل بتاريخ 30 آذار 1976. 
 
ورداً على إعلان الإضراب فرضت السلطات الإسرائيلية في 29 آذار 1976 حظر التجول على قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا، وطرعان، وطمرة، وكابول، ومنعت المظاهرات، وهددت بإطلاق النار، بهدف منع تنفيذ الإضراب.
 
إلا أن الفلسطينيين لم يأبهوا بالتهديدات الإسرائيلية وعم الإضراب كافة مناطق تواجدهم من الجليل شمالا، إلى النقب جنوبا، وخرجت المظاهرات الحاشدة الرافضة لقرار مصادرة الأراضي، فاستخدمت سلطات الاحتلال القوة المفرطة ودفعت بقواتها مدعومة بالدبابات والأليات العسكرية، إلى البلدات الفلسطينية، وعمدت إلى إطلاق النار الذي أدى لارتقاء ستة شهداء وجرح العشرات.
 
 
كل يوم في فلسطين هو يوم الأرض
 
ما يزال التاريخ يعيد نفسه في فلسطين، فالاحتلال الذي صادر ما بين عام 1948 "تاريخ إنشاء كيانه المزعوم"، حتى عام 1972 أكثر من مليون دونم من أراض القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولى عليها عام 1948، لم يكتف بمصادرة الأراضي بوحشية عام 1976، بل واصل حتى اليوم قضم الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها الأصليين، حتى بات الفلسطينيون الذي كانوا يملكون 96% من الأراضي قبل نكبة عام 1948، لا تتعدى ملكيتهم الآن 4% من فلسطين التاريخية. 
 
ورغم كل هذا الواقع المرير والذي زاد مراراته مسير بعض الدول العربية نحو التطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي، وتخليهم عن قضية فلسطين التي لطالما اعتبرت قضية العرب الأولى، إضافة إلى خذلان المجتمع الدولي الصامت عن ممارسات الكيان الإسرائيلي وجرائمه اليومية، الأمر الذي يمكن أن يُثير الضعف في النفوس والتسليم بالأمر الواقع، يبقى الفلسطيني يعطي الدروس تلو الدروس في الصبر والعزيمة التي لا تلين، دون أن ترهبه قوة المعتدي أو يزعزعه خذلان الصديق والشقيق، يبقى ثابتاً مقاوماً متجذراً في أرضه يكتب بدمائه على شجرة الزيتون لنا فلسطين كل فلسطين.
Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=84509