وجهات نظر

عصر الإيجاز في الإعلام الجديد

الدكتور: منذر علي أحمد


خاص || الإعلام تايم 

"لا أحد يقرأ مقالات طويلة بعد الآن" مقولة دارجة تتناسب مع عصر السرعة الذي نعيشه، فغالباً ما يجذب المحتوى القصير والمختزل انتباه القارئ، بخلاف المحتوى الطويل، فالمحتوى القصير أكثر إثارة للانتباه ورسوخاً في عقل المتلقي في حين تعد الرسائل الطويلة موجهة لتعليم القارئ.

 

ربما تكون القاعدة صادقة ومناسبة لبعض أنواع المحتوى القصير ولكن لكل قاعدة شواذها، فهناك الكثير من الأمثلة عن المحتوى الطويل أو متوسط الطول الذي يكون له تأثير قوي وطويل الأمد، في حين يتميز المحتوى القصير بالتأثير الآني المحدود الذي يمكن أن يمتد مدة قصيرة فقط، وطبعاً ليس خفياً على أحد بأن الاستراتيجيات التي تسعى إلى التسويق والتأثير على المتلقي تستخدم مزيجاً مختلطاً من الرسائل القصيرة والطويلة المحتوى.



عرفت العرب ثلاث صفات رئيسة للتعبير عن كل ما يمكن أن يجول في صدرنا من المعاني، وذكر المختصون أن التعبير عنه يكون بإحدى هذه الطرائق الثلاثة:


أولاً: إذا جاء التعبير على قدر المعنى، بحيث يكون اللفظ مساوياً لأصل ذلك المعنى، فهذا هو «المساواة»، وهي الأصل الذي يكون أكثر الكلام على صورته، والدستور الذي يُقاس عليه.
ثانياً: إذا زاد التعبير على قدر المعنى لفائدة، فذاك هو «الإطناب»، فإن لم تكن الزيادة لفائدة فهي حشو أو تطويل، وهو مقتل الكثيرين ممن يمتهنون مهنة الكتابة.
ثالثاً: إذا نقص التعبير على قدر المعنى الكثير، فذلك هو «الإيجاز» والذي يسمى في بعض كتب البلاغة باسم " الإشارة " وكما يقال بأن الإعجاز في الإيجاز.


وفي كثير من الأحيان وخاصة في ظل الازدحام الذي نعيشه في تفاصيل حياتنا اليومية يكون الأقصر هو الأفضل، وأحياناً يكون الأقصر هو أفضل تسويق لمحتوى أكبر وأشمل، لأن العصر الحالي هو عصر السرعة والمستهلك النهائي يريد صرف أقل قدر ممكن من الجهد والوقت للوصول إلى ما يريد من معلومات وفائدة ومتعة، حيث إن المحتوى القصير الذي يتضمن منشورات مدونة من 500 كلمة وإعلانات فيديو مدتها 30 ثانية، يتابع بشكل جيد في عصر الهواتف الذكية، وكذلك المحتوى الصغير مثل التغريدات وتحديثات الحالة وكذلك الحال بالنسبة للرسائل القصيرة التي يحمل اسمها المدة الافتراضية نفسها لتأثيرها القصير. حيث يستهلكها الناس ويتصرفون بها، ثم ينسونها.


هذا يعني أنه يجب عليك إنتاج تدفق مستمر من المعلومات من أجل ترك انطباع مفيد، كما هي الحال بالنسبة لتغريدات تويتر التي من الممكن أن يستمر تأثيرها عبر أحرفها الـ 140 مدة عشرين دقيقة وقد تحدث أثراً قوياً يدفعك للحديث عنها ومشاركتها، ففي كثيرٍ من الأحيان يكون دورها الفعال أساسياً في عملية التذكير بمسألة وقضية أو منتج ما لتثبت بأنك موجود على الساحة أو في المواضيع التي تتطلب القليل من الشرح، لكن هذا الأمر لن يكون مفيداً في حال أردت من المتلقين الانغماس في تجربة أو قضية ما تريدهم أن ينغمسوا أو يشاركوا معك فيها، من هنا يأتي الإثبات بأن المحتوى الطويل لم يمت، ولست بحاجة إلى تقليم المحتوى وقصقصته واختصاره أو مسخه والذي تنتجه كي تجعله مناسباً للمتلقي ليستهلكه في غضون ثوان قليلة، وتشير العديد من الدراسات إلى أن المحتوى الطويل المكون من آلاف عدة من الكلمات هو محتوى منتشر وواسع التأثير حيث تتصدر المنشورات ذات العدد الكبير من الكلمات المراتب الأولى والصدارة من حيث نسب المشاركة والانتشار.


يبدو أن عصر الإيجاز والمقاطع المختصرة الذي كان السمة المميزة لنجاح بعض التطبيقات لم يعد كذلك خاصة ما يتعلق بمقاطع الفيديو فها هو تطبيق تيك توك TikTok لصناعة الفيديو وهو التطبيق الأشهر في الوقت الحالي، واعتبر بأنه تطبيق الوسائط الاجتماعية الأكثر شعبية في عام 2021، ويحتل المرتبة الأولى في تنزيلات التطبيقات منذ عام 2018، حيث أنه وفي تطور جديد أتاح التطبيق لمستخدميه إمكانية نشر مقاطع فيديو أطول في أمرٍ اعتبر بمثابة تغيير جذري يهدف إلى منافسة "يوتيوب"، حيث أعلنت "تيك توك" في وقت سابق تمكين مستخدمي تطبيقها من نشر مقاطع فيديو تصل مدتها إلى 10 دقائق، بدلاً من الحد الأقصى الحالي السابق البالغ 3 دقائق.


ويأتي هذا القرار الذي أكده الناطق باسم "تيك توك" لوكالة "فرانس برس" بعد أقل من 8 أشهر على زيادة المدة القصوى من دقيقة واحدة إلى 3 دقائق، وذكر الناطق باسم الشركة التابعة لمجموعة "بايت دانس" الصينية أن "هذه الخطوة توفر المزيد من الفرص لمنتجي المحتوى على الشبكة في كل أنحاء العالم"، ومن شأن هذا التغيير أن يمكن "تيك توك" المتخصصة أصلاً في مقاطع الفيديو القصيرة من اقتحام المجال الخاص بشبكة "يوتيوب" التي تشكل مرجعاً في ما يتعلق بمحتويات الفيديو التي ينتجها المستخدمون مباشرة.


منافسة محتدمة تفرض إيقاعها على الجميع


وتأتي التطورات الأخيرة التي شهدها تيك توك في سياق المنافسة المحتدمة مع يوتيوب التي كانت بدورها قد سعت إلى منافسة "يوتيوب" في آذار الماضي لمنافسة "تيك توك"، من خلال إطلاق منصة "يوتيوب شورتس" التي تتيح تسجيل مقاطع فيديو تصل مدتها إلى 60 ثانية.


كذلك دخلت "إنستغرام" التابعة لمجموعة ميتا (فيسبوك سابقاً) على خط مقاطع الفيديو القصيرة من خلال تطبيق "ريلز" الذي أطلقته في أغسطس 2020، لتمكين مستخدميها أيضاً من تسجيل مقاطع فيديو.
وأشارت المحللة في "إنسايدر إنتيليجنس" جازمين إنبرغ إلى أن الفجوة بين "تيك توك" و"يوتيوب" تعد "ضيقة"، واعتبرت أن "مقاطع الفيديو الطويلة يمكن أن تساعد تيك توك على العودة إلى مستواها السابق".

 

وأوضحت أن "مقاطع الفيديو الطويلة تفسح أيضاً لمنشئي المحتوى المزيد من فرص تحقيق الدخل، وتفتح الباب لمزيد من أحجام مقاطع الفيديو لتنمية نشاط تيك توك الإعلاني".
تهتم منصة “تيك توك” (TikTok) بشكل أساسي بالترفيه، ولكنها شرعت بشكل مفاجئ هذه الأيام في تسريع التحولات الجارية في سوق العمل في الدل الغربية؛ وذلك بتركيزها على كل ما يتعلق بمجال التوظيف.


 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=84177