وجهات نظر

رياضيو روسيا.. الظلم لن يمنعنا من إنشاد نشيدنا الوطني

الدكتور: منذر علي أحمد


يقال إن الرياضة منفصلة عن أجندات السياسة، لكن واقع الحال دائماً ما يكذب هذه المقولة ويدحضها، فالاتحادات الدولية المعنية بالرياضة والرياضيين لا تترفع أبداً عن الأحداث السياسية، بل تأخذها منطلقاً لقراراتها.

 

إلى متى سيبقى الرياضيون ضحية لقرارات اتحادت ظالمة مسيسة؟ بغض النظر عن ما يجري في روسيا وأوكرانيا أليس من المفترض أن تترفع الاتحادات الدولية عن الأحداث السياسية؟ أليس من الظلم أن نضيع فرصة لاعبين أمضوا آلاف الساعات في التدريب تحضيراً لاستحقاق رياضي وبذلوا في سبيله الوقت والجهد والمال على أمل تحقيق ذاتهم وطوحاتهم ورفع علم بلادهم؟


لا شك أن استخدام فرض العقوبات على الرياضيين، كأداة للضغط السياسي وكوسيلة للحرب أمرٌ يؤذي اللاعبين الذين ينتمون إلى ذلك البلد بالدرجة الأولى، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يشكل قوة ضغط لتغيير قرار سياسي أو عسكري تم اتخاذه على أعلى المستويات، يرى البعض أن الرياضة شكل من أشكال الحروب الباردة في العصر الحديث، وهي صورة لواقعٍ يظهر كردة فعل لما تحمله بعض الدول من عداءات ومشكلات سياسية أو مشكلات حدودية أو مشكلات عرقية أو مشكلات فكرية.


ويقال السياسة تفسد، والرياضة تصلح ما تفسده السياسة، لكن وعلى خلاف النمط السائد منذ زمن طويل، بدأت العلاقة بين الرياضة والسياسة في السنوات الأخيرة تتسع وتتنوع، فصارت علاقة تفاعل متبادل، ليس فقط مع "السياسة" بمعناها الضيق المتعلق بالحكم وإدارة الدولة والمسؤولين رفيعي المستوى، لكن أيضاً مع مختلف مكونات ومفردات الحياة العامة في البلد.


وتبلور ما يمكن تسميته "اشتباكاً قطاعياً" بين الرياضة وقطاعات معينة، خصوصاً السياسة والنظم السياسية على المستوى الدولي وفي جميع بلدان العالم تتحكم بشكل واضح وكبير في كيفية ممارسة الرياضة؛ وذلك لأن الرياضة بمختلف أنشطتها أصبحت وسيلة إيجابية أوسلبية لتحسين العلاقات بين الدول العالم، أو للضغط عليها، جراء مواقف تلك الدول وخصوصاً السياسية منها، وما نراه من مواقف رياضية تجاه روسيا من استبعاد مونديالي، وحظر كامل وفسخ عقود رعائية وغيرها من العقوبات والمواقف بسبب مواقفها السياسية ليضعها القرار الرياضي الدولي في شبه عزلة رياضية تامة هو أكبر دليل على ذلك.


وأهم تلك الإجراءات:


استبعاد روسيا من تصفيات مونديال 2022 في كرة القدم، وتوصية أولمبية بحظر عن كامل المسابقات وفسخ لعقود الرعاية قبل أقل من أسبوع على انطلاق الألعاب البارالمبية في الصين.


وبعد استضافتها المونديال الأخير عام 2018، ستغيب روسيا عن نسخة قطر 2022 المقررة بين 21 تشرين الثاني 18 كانون الأول، نتيجة قرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).


كما أعلن الفيفا في بيان مشترك مع نظيره الأوروبي تعليق مشاركات الأندية والمنتخبات الكروية في كل المسابقات "حتى إشعار آخر"، وذلك بعد تردده في اتخاذ قرار حاسم الأحد، عندما اكتفى بفرض خوض روسيا مبارياتها تحت راية محايدة ولعب مبارياتها البيتية خارج قواعدها، ما استدعى انتقادات واسعة النطاق.


بولندا التي كانت ستحلّ على روسيا في الملحق الأوروبي كانت قد أعلنت رفضها مواجهة روسيا، وسارت على خطاها السويد وتشيكيا، الخصمان المحتملان لروسيا في الملحق المقرر في آذار الجاري.


وبعد تجريد ويفا لسان بطرسبورغ الروسية من استضافة نهائي دوري أبطال أوروبا ومنحها لاستاد دو فرانس في باريس، استبعد أيضاً نادي سبارتاك موسكو، الممثل الوحيد لروسيا في المسابقات الأوروبية، وتحديداً من الدوري الأوروبي (يوروبا ليغ)، حيث كان من المتوقع مواجهة لايبزيغ الألماني في الدور ثمن النهائي.


في كرة السلة عُلّقت مشاركة ثلاثة أندية روسية في بطولة "يوروليغ" ، وألغى الاتحاد الدولي للتزلج كل المسابقات المقررة في روسيا، على غرار الاتحاد الدولي للبادمنتون والسباحة الذي ألغى مونديال الناشئين في قازان الروسية في شهر آب.


وفي الكرة الطائرة، أعلن الاتحاد الدولي سحب بطولة العالم المقررة في نهاية آب من روسيا.


وكانت بولندا بطلة العالم وفرنسا بطلة الأولمبياد قد حذرت من الانسحاب في حال الإبقاء على الاستضافة الروسية.

 

ليست كرة القدم الوحيدة التي شهدت إحجام الخصوم عن مواجهة الروس، ففي القاهرة، رفض منتخب أوكرانيا للمبارزة مواجهة المنتخب الروسي في كأس العالم.


وطالب لاعبو التنس ولاعباتها رابطتي كرة المضرب بالتحرّك.


وقبل مواجهتها المقرّرة مع الروسية أناستازيا بوتابوفا في مونتيري، أعلنت الأوكرانية إيلينا سفيتولينا عدم مواجهة أي خصمة روسية أو بيلاروسية، إذا لم تكن مشاركتهن تحت راية محايدة.


وقال الاتحادان السويدي والنرويجي للتزلج إن الرياضيين الروس غير مرحّب بهم على أراضيهم في آذار، في خطوة مماثلة للسلطات البريطانية.


واتخذ العديد من الاتحادات الرياضية الدولية تدابير صارمة بحق روسيا وأحياناً بيلاروس في الكرة الطائرة، والتزلج، والبياتلون، وهوكي الجليد، والرغبي، والملاكمة والسباحة.


وسيكون منتخب روسيا لهوكي الجليد (تحت راية محايدة) خلال نهائي أولمبياد بكين 2022 الذي خسره ضد فنلندا.


وفرض الاتحاد الدولي لهوكي الجليد حظراً على المنتخبات الروسية والبيلاروسية، ما يعني غياب روسيا عن مونديال 2022 في فنلندا، بالإضافة إلى الاتحاد العالمي للرغبي، ليضع حداً للآمال الروسية الضئيلة بالتأهل إلى مونديال فرنسا 2023.


كما أعلن أكبر أربعة اتحادات ملاكمة عدم إقامة أي نزال في روسيا.


وفي التايكواندو، جرّد الاتحاد الدولي بوتين من الحزام الأسوَد الفخري 9 دان الممنوح له منذ 2013، معتبراً أن تصرفات موسكو تتعارض مع رؤية الرياضة "السلام أغلى من الانتصار".


وأعلن ويفا أيضاً فضّ شراكته "بمفعول فوري" مع عملاق الغاز الروسي "غازبروم"، أحد رعاته الرئيسين منذ العام 2012.


وبعدما أصبحت رمزاً للـ"قوّة الناعمة" الروسية في عالم الرياضة، ستُحرم سوتشي، مضيفة أولمبياد 2014 الشتوي، من استقبال جائزة الفورمولا واحد الكبرى، بعد قرار من مالك حقوق بطولة العالم ليبرتي ميديا الأميركي.


وأصبح رومان أبراموفيتش شخصية رئيسة في مشهد كرة القدم الإنكليزية في آخر 19 عاماً منذ امتلاكه نادي تشلسي وقيادته إلى لقب دوري أبطال أوروبا مرتين. انسحب الملياردير الروسي من خلال بيان غامض وجدلي منح فيه سلطة إدارة ورعاية نادي غرب لندن إلى مؤسسته الخيرية.


وأوصت اللجنة الأولمبية الدولية الاتحادات الرياضية الدولية ومنظمي الأحداث الرياضية بحظر مشاركة الروس والبيلاروس في مسابقاتهم، مبقية على توصيتها السابقة بعدم تنظيم مسابقات على الأراضي الروسية.


وحيّت اللجنة الأولمبية الدولية التي خالفت تقليدها المتمثل في المطالبة بحياد الرياضيين، "الدعوات العديدة للسلام التي أطلقها الرياضيون والمسؤولون الرياضيون وأعضاء المجتمع الأولمبي العالمي".


واتخذت إجراءً قوياً آخر رغم رمزيته بسحب وسام "الاستحقاق الأولمبي"، وهو أعلى وسام أولمبي، من جميع كبار المسؤولين الروس بدءاً من الرئيس فلاديمير بوتين.


وأوصت أيضاً بعدم رفع أعلام روسيا وبيلاروس أو عزف نشيديهما.


ورغم كل ما حدث وكل الظلم الرياضي الذي لحق ببلدهم؛ نجد النشيد الوطني الروسي تصدح به حناجر الرياضيين الروس الأبطال.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=83950