وجهات نظر

هل تستطيع أوروبا التخلي عن الغاز الروسي؟

عبدالرحيم أحمد


تحاول الدول الغربية والأوروبية خنق روسيا في مجال المال والنقل الجوي والسياسة بالتوازي مع تقديم الدعم العسكري وفتح خطوط تجنيد المرتزقة للقتال إلى جانب الرئيس الأوكراني المدعوم من قبل الناتو فلاديمير زيلينسكي على خلفية العملية العسكرية التي تنفذها القوات الروسية وتحاول تلك الدول وإعلامها شيطنة الرئيس فلاديمير بوتين، فماذا لو أغلق حنفية الغاز الروسي عن أوروبا؟

خلال زيارة وفد إعلامي سوري - كنت ضمنه- إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في فترة المفاوضات على توقيع اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية، أكد مسؤول في الاتحاد أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي وأذكر أنه قال: إذا أراد المواطن الأوروبي أن يستحم في اليوم 3 مرات، فمنها مرتان يعتمد على الغاز الروسي، وذلك في إطار حديثه عن توجه أوروبا إلى الطاقة الشمسية والاستثمار فيها من أفريقيا.

العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو سواء عزلها عن نظام سويفت المالي العالمي أو حظر خطوط الطيران الروسي فوق أوروبا وكذلك إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام حركة السفن الحربية الروسية والرد الروسي المماثل عليها هي حالة إعلان حرب موصوفة ولا توحي بأن الغرب يريد أصلاً التفاهم مع روسيا أو تفهم هواجسها الأمنية، بل إن سرعة اتخاذ الخطوات العقابية تدل على التحضير المسبق لها خصوصاً إذا ما لاحظنا الحديث المتواتر على أعلى المستويات السياسية في أوروبا وواشنطن بضرورة إطالة أمد الحرب وجعلها مكلفة لروسيا وإغراقها في مستنقع أوكرانيا، كما حصل في أفغانستان، وهو دليل على عدم اهتمام الغرب بتبعات الحرب على الشعب الأوكراني أيضاً.

التحرك العسكري الروسي لم يكن وليد اللحظة وليس قراراً مفاجئاً، ويبدو أن لدى موسكو معلومات خطيرة غير تلك التي يتم الحديث عنها في الإعلام، وقد يكون أساسها الهواجس الأمنية المترافقة مع تمدد الناتو شرقاً وتهديد أمن روسيا.. فموسكو غضت الطرف عن انضمام عدة دول في محيطها للناتو وإن كانت غير راضية عن ذلك، لكن يبدو اليوم الوضع مختلف كلياً وأن طبيعة المخطط المكتشف يعني من الخطورة ما يعنيه ليحرك الرئيس بوتين جيشه إلى عمق الأراضي الأوكرانية وإعطاء أوامره لثالوث الردع النووي للتأهب في وضعية القتال.

طبعاً تلويح موسكو بالردع النووي من خلال وضع مراكز التحكم بالثالوث النووي في حالة تأهب قتالي ليس مجرد تلويح كما قال المتحدث باسم الكريملين ديمتري بيسكوف، فهو قرار واضح، الهدف منه الاستعداد لأسوأ الأفعال الغربية التي يبدو أن موسكو لديها معطيات حولها.. لكن لا تزال هناك خيارات لدى موسكو قبل الردع النووي.

فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الأوروبية على روسيا قد تستدعي من موسكو الرد في المكان الذي يوجع الأوروبيين، وهنا بالتحديد يمكن وقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا وجعل شتائها جليداً لهذا العام ولتدرك أن خيارات موسكو قوية ومؤثرة.. صحيح أنه سيتبع ذلك خسائر مادية لموسكو لكن من المفترض أنها درست جميع الخيارات وتداعياتها ويبدو أنها تفكر بهذا الإجراء الذي لا تستطيع أوروبا تحمله.
إن إحجام أوروبا ومعها واشنطن حتى اليوم عن فرض عقوبات تتعلق بالغاز والطاقة هي بلا شك لكون أوروبا تعتمد بنسبة 40% على الغاز الروسي وهي غير قادرة على تعويض هذا المصدر من أي مكان في العالم، لذلك فإن تحرك موسكو لوقف ضخ الغاز إلى أوروبا سيوقف قلبها وخصوصاً في فصل الشتاء، وهو أمر ممكن مع الإعلان أمس عن توقيع شركة غازبروم الروسية ومنغوليا اتفاقية لبناء خط أنابيب غاز جديد يصل روسيا بالصين باستطاعة 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين سنوياً يدخل الخدمة عام 2027 ، مضافاً إلى خط قوة سيبيريا الموضوع في الخدمة بطاقة 10 مليارات متر مكعب سنوياً.

لاشك في أن العملية العسكرية الروسية والرد الغربي عليها مكلف للدولة الروسية لكن مخططات الغرب بزيادة الكلف البشرية والمادية وتحويل أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية كما يردد الكثير من الإعلام الغربي وساسته قد لا تنجح مع الرئيس بوتين الذي يعلم الجميع أنه لم يخسر أي حرب خاضها باعتراف الإعلام الغربي نفسه، فالمعركة بالنسبة له محسوبة ومحسومة النتائج كما حصل في جورجيا والقرم والشيشان وسورية، وهو أكد منذ البداية أن من يحاول أن يلحق الأذى بروسيا عليه ألا يشك في أنه سيكون مهزوماً.. لذلك فالساعات والأيام القادمة قد تمهد لولادة نظام عالمي جديد على أنقاض نظام القطبية الواحدة الذي تحاول واشنطن بكل قوتها الحفاظ عليه لكنه يلفظ أنفاسه.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=83797