وجهات نظر

قرار الحرب

علي نصرالله


 تكاثرت المؤشرات التي تدل على أن قرار الحرب قد اتخذ في واشنطن ولندن، بل إنها تؤكده، ذلك مع الترويج المحموم لمزاعم مختلفة وصلت إلى حدود أن واشنطن امتلكت قدرة تحديد ساعة الصفر لبدء الغزو الروسي المزعوم لأوكرانيا، وليس فقط امتلكت قدرة قراءة العقل الروسي؟!.
 
 
يوم الثلاثاء أو الأربعاء، سيبدأ الغزو الروسي، جو بايدن يقول ذلك فيما كان للبنتاغون قول آخر!.
 
 
بايدن أبلغ حلفاءه بالموعد، اتصل مع الإسرائيليين والأوروبيين شخصياً، ولم يدع الأمر لأجهزة الاستخبارات ودوائر الخارجية ونظائرها عند الشركاء والحلفاء، فهل ينطوي ذلك على خفة أم على أن المسألة صارت قراراً؟.
 
 
منذ أسابيع والولايات المتحدة تحشد، وتحشد، توزع الأدوار، وقد تعمدت إفشال كل اللقاءات التي حصلت الشهر الماضي في بروكسل وجنيف وفيينا، تجاهلت الضمانات الأمنية، استمرت بقرع الطبول، وبالزحف الأطلسي شرقاً، بإرسال قوات ونشر منظومات هجومية جديدة في أوروبا، جعلت كل الطرق إلى مفاوضات إضافية مسدودة أو بلا جدوى، فهل من معنى لذلك سوى أن قرار الحرب اتخذ من قبلها؟.
 
 
في المعلومات التي تقول واشنطن أنها جمعتها استخباراتياً، تدعي أن الانتشار الروسي على الحدود مع أوكرانيا لم يتوقف فقط عند نشر ١٠٠ ألف جندي، بل تم رصد نشر قدرات متنوعة: مقاتلات حربية متطورة نشرت في بيلاروسيا، سفن حربية في البحر الأسود، تراكم هائل للقوات على امتداد الحدود وفي القرم، مدفعية ومنظومات صاروخية في أتم جاهزية، قوات خاصة متأهبة، فرق الحرب الالكترونيه والسيبرانية وضعت بالخدمة، الاستعدادات القتالية عالية جداً، ووحدات الهندسة ومصفوفات الطب الجوي والميداني - بما فيها أكياس الدم - في حالة استنفار قصوى!.
 
 
بصرف النظر عن أن ذلك غير صحيح، وحتى لو كان صحيحاً، فإن تقديم الصورة على هذا النحو بمحاولة إظهار التفوق الاستخباري الذي مكن واشنطن من جمع ورصد كل ذلك، إنما ينطوي على تعمد ضخ مقادير كذب كبيرة، وعلى المبادأة بحرب نفسية تعكس حالتي الحماقة والغرور، إذ يغيب عن واشنطن أن حربها النفسية موجهة ضد روسيا الاتحادية، وليس ضد بلد إفريقي متخلف، ولذلك فقد كان عليها ربما أن تخفف منها على الأقل لتحفظ خط رجعة ستحتاجه!.
 
 
الولايات المتحدة قد تكون راغبة بالحرب، هي تحتاجها ربما، وقد تكون اتخذت قرارها، لكنها تعرف أنها صعبة، خطيرة، ولأنها تعرف المخاطر والصعوبات، فهي على الأرجح لن تدخلها مباشرة وستدع للوكلاء خوضها، فهل هناك وكلاء؟ هل يجهل قادة القارة العجوز تلك المخاطر؟ أم أن عزل روسيا وتحجيمها هو هدف مشترك أميركي - أوروبي ويستحق المغامرة؟.
 
 
حمى التصريحات السياسية، والفضاءات الإعلامية المملوءة بالتهديدات، أشعلت النار، وتكاد تعلن حتمية اندلاع الحرب في أي لحظة، فهل تقف أوروبا على شفا الحريق الكبير، أم يتدخل بعض العقلاء فيها لمنعها؟.
 
 
في الواقع هناك حزمة أسئلة إضافية ستبقى مطروحة بقوة في هذه الأثناء، بانتظار ورود إجابات أوروبية عنها، تحديداً أوروبية، ذلك أن لندن وباريس وبرلين، وبقية العواصم الأوروبية، إذا كانت تنخرط بلعبة ممارسة الضغوط على موسكو لانتزاع ما تريده واشنطن، فهي لا تجهل روسيا، وتعرف جيداً أثرها وثقلها في كل الملفات، بل تعرف أنه ليس من الصواب اختبار صبرها وما تملك من قوة.
 
 
تعرف أوروبا روسيا، وتعرف حقها وحقوقها بالدفاع عن أمنها القومي واستقرار محيطها، وتعلم أن لموسكو الحق بحماية مصالحها، بل تعلم أوروبا مخاطر شراكتها بما يحصل من محاولات التشويه والشيطنة لروسيا وصولاً إلى محاولة كسرها .. ولكل ما تقدم، فعلى أوروبا أن تستدرك، وأن تجعل واشنطن تدرك أن قرار الحرب ليس بيدها، بل لا تمتلكه.


 
 
Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=83383