نافذة على الصحافة

استراتيجية الدماء الأمريكية في الحسكة مجدداً.. والحمل الوديع حامي العالم


تستنسخ الإدارات الأميركية نفسها في كل زمن، وما أشبه اليوم بالأمس، الأمس الذي قرر فيه زبيغنيو بريجينسكي  مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر باستراتيجية سياسية أن يصنع الفكر المتطرف عبر تجميع المتطرفين في أفغانستان بعد تغذيتهم فكرياً لجر الاتحاد السوفييتي إلى التدخل عسكرياً، ودق مسمار أخير في نعش الاتحاد الذي تهاوت أركانه منفصلةً بعد ذلك، واليوم الذي صنعت فيه الإدارات الأميركية الأخيرة داعش، ثم وضعته على رأس قائمة الأخطر على وجه الأرض لغايات في نفسها.

 

هندسة التطرف الذي تبرع فيه أميركا أنتجت لاحقاً حركات متطرفة بدأتها طالبان ثم القاعدة وصولاً إلى داعش، ولم تختلف النظرة الأميركية وطريقة تعامل الإدارات المتعاقبة مع تلك الحركات التي صنعتها ومولتها وغذتها بأسباب البقاء، ثم حاربتها وسخّرت كل الوسائل للقضاء عليها بعد أن تعيث فساداً.

 

أحداث الحسكة الأخيرة تسوق إلى الذاكرة أحداثاً مشابهة في بقع مختلفة من العالم استطاعت أمريكا أن تجد فيها موطئ اعتداء؛ صنع التنظيم، ثم تربيته، فالتمكين له، ثم إثارة الجلبة حوله والسعي إلى القضاء عليه، ثم إعادة بعثه والسعي إلى القضاء عليه مجدداً.

 

وعلى هذا لم يكن مصير أسامة بن لادن صنيعة أمريكا مخالفاً لمصاير القادة التي اختارتهم أمريكا مباشرة أو تحت رداء ما لنشر إرهابها في العالم، فميتة البغدادي حاضرة في الأذهان كميتة بن لادن، كميتة لاحقة لأي قائد يختار ليسوّق إرهاب الإدارات الأمريكية، وفي هذا تثبت الوقائع الميدانية بحسب ما سردتها صحيفة الأخبار اللبنانية أن عملية الإنزال الجوي الأمريكي في الشمال كانت تهدف إلى قتل زعيم تنظيم داعش الذي يحمل أكثر من اسم ولقب، أهمها: محمد سعيد عبد الرحمن المولى، أمير محمّد عبد الرحمن المولى الصلبي، الحاج عبدالله، وأبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وتشير المعلومات الميدانية لى أن القياديّ الفارّ قد قُتل في العملية إلى جانب أمير داعش"، مرجّحةً أيضاً "مقتل أو إصابة القياديَّيْن البارزيْن في التنظيم، أبو خالد العراقي، وأبو حسين خطّاب، في العملية نفسها، حيث كانا إلى جانب القرشي".

 

القرار الأمريكي بالاعتداء على أرض سورية كان بحسب الصحيفة لتغطية فضيحة فرار مئات السجناء من إرهابيي داعش من سجن الصناعة السجن المحصّن الخاضع لسيطرة واشنطن وحلفائها من ميليشيا قسد في مدينة الحسكة، ولإثبات قدرة الولايات المتحدة -دون نيتها- وأمام أصدقائها قبل أعدائهاعلى قمع التنظيم وتصفية قادته وإحباط عملياته.

 

وتشير وقائع العملية وما سبقها -بحسب الصحيفة- إلى أن إمساك واشنطن بملفّ سجناء تنظيم "داعش" لدى "قسد"، يُشكّل كنزاً ثميناً من المعلومات الاستخباراتية لها التي تتيح التحكّم بمسار نشاط التنظيم، عبر اكتشافه مبدئياً، ثمّ إحباطه أو غضّ النظر عنه، أو حتى نقل مقاتلين وقياديين منه من السجون إلى مناطق أخرى في إطار صفقات مبهمة، كما حدث أخيراً في الحسكة.

 

وفي هذا تثبت واشنطن مجدداً أنها تستطيع الوصول إلى قادة التنظيمات المتشدّدة أينما وُجدوا عندما تريد ذلك، بدءاً من أسامة بن لادن مروراً بأبو بكر البغدادي وصولاً اليوم إلى القرشي.

 

ولكن هل ختمت أمريكا الاعتداء على أرض الحسكة بعملية الإنزال الأخيرة؟
ربما تكمن الإجابة في تصريح لقيادي في ميليشيا "قسد" المدعومة من قبل للاحتلال الامريكي لوكالة "أسوشيتد برس" الذي حذر من أن تنظيم "داعش" الإرهابي قد يشن اعتداءات جديدة على سجن الثانوية الصناعة في مدينة الحسكة، بعد الهجوم الدموي الأخير.

 

هي استراتيجة الدماء تسري في العروق الأمريكية، ولا تزال إداراتها تصر زوراً وبهتاناً على أنها حامي العالم من الإرهاب الذي ربته وأنشأته.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=83160