تحقيقات وتقارير

هل حي الإخلاص جائزة ترضية لمحافظة دمشق ؟


 أريج غسان الشلي

ثلاثون عاماً .. استملاك جائر.. تخلي عن غايات الاستملاك .. استبعاد من التنظيم .. نقل ملكية غير مشروع
لماذا تحتفظ محافظة دمشق بحي الإخلاص؟

بهذه العبارات نختصر قضية أعيد إنتاجها مع انطلاق تنفيذ المخطط التنظيمي الصادر بموجب المرسوم /66/ لعام 2012، ليبدأ فصل جديد من قضية أهالي حي الإخلاص الكائن خلف مشفى الرازي وسط العاصمة دمشق.
حي الإخلاص بسكانه الـ/15/ ألف نسمة يقبع ضمن امتداد المناطق المشمولة بالمخطط التنظيمي الخاص بتنظيم منطقة جنوب شرق المزة، الذي من المفترض أن يشمل المنطقة كاملة دون استثناء، إلا أن أهالي الحي المذكور فوجئوا مع صدور المخطط المنتظر للمرسوم باستثناء حيهم منه، بدعوى أنه سبق استملاكه لصالح مجلس الشعب بموجب المرسوم /35/ لعام 1985لبناء مقر جديد لمجلس الشعب.
أهالي الحي الذين كانوا قد اعترضوا على قانون الاستملاك منذ صدوره، وقاموا بالعديد من المراجعات والمراسلات حينها مع الجهات المعنية، حتى أنهم حضروا بعض جلسات مجلس الشعب للتعبير عن معاناتهم من تبعات مرسوم الاستملاك الجائر والمجحف بحقوقهم .
تمخضت المراجعات عن توجيه كتاب ممهور بتوقيع رئيس مجلس الشعب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء يحمل الرقم 1126 بتاريخ 8/ 11/ 1997يتضمن النقاط التالية:
1- اعادة النظر بأسعار الأراضي المستملكة.
2- اعادة النظر بالحاجة الفعلية للمنشأة المزمع إقامتها وتخصيص المتبقي منها لإقامة مساكن لأصحاب الأراضي المستملكة.
3- تقترح اللجنة إقامة مساكن لهؤلاء المتضررين على أحد أطراف الأراضي المستملكة.
وهنا تجدر الإشارة الى أن رئاسة مجلس الوزراء لم تقدم رداً واضحاً على كتاب مجلس الشعب.
بموجب مرسوم الاستملاك كان قد تم نقل ملكية العقارات المستملكة لصالح مجلس الشعب بموجب العقد رقم 2973 تاريخ 2001/10/17 لدى المصالح العقارية.
بتاريخ 2006/12/26 وجه مجلس الشعب الكتاب رقم 1868/ص.د إلى محافظ مدينة دمشق والمتضمن عدول مجلس الشعب عن إقامة مقره في المنطقة المستملكة واكتفاءه بتوسيع مقره الحالي على حساب أرض مؤسسة حكومية أخرى محاذية في منطقة الصالحية ودعوة المحافظة لتسديد بدلات الاستملاك وفراغ العقارات لصالحها.
فعلاً في العام 2007 تم نقل ملكية هذه العقارات لصالح المحافظة بموجب العقد رقم 5689 تاريخ 2007/12/6، علماً أن المجلس لايملك صلاحية نقل الملكية كون الاستملاك يتم لتحقيق غاية محدده بنص المرسوم وفي حال انتفاءها يعتبر الاستملاك لاغياً.. ومحافظة دمشق لم تكترث لمخالفة القانون في نقل الملكية لصالحها وغدت تتصرف بالعقارات المستملكة كتصرف المالك في ملكه، ضاربةً بعرض الحائط معاناة السكان ومراجعاتهم وجهودهم التي أنتجت كتاب مجلس الشعب المذكور سابقاً والذي بموجبه يحاول إنصاف هؤلاء السكان البسطاء.
في العام 2012 صدر المرسوم /66/ ليتنفس أهالي الحي الصعداء من معاناة قاربت الثلاثين عاماً من تاريخ إصدار مرسوم الاستملاك، كما أعاد مرسوم التنظيم لسكان الحي الأمل بإيجاد الصيغ والحلول المناسبة لمعاناة ومشاكل هذه الشريحة الواسعة من مجتمعنا.. إلا أن محافظة دمشق سلكت طريقاً أفرغت فيه المرسوم من محتواه وحولته من نعمة إلى نقمة انقلبت على أهالي حي الإخلاص المستملك لصالح مجلس الشعب من جهة، وعلى شريحة من السكان المستفيدين من االمرسوم /66/ من جهة أخرى، فُوضعت تعليمات تنفيذية رأى أهل المنطقة أنها لا ترتقي إلى مستوى العدالة والإنصاف التي ينشدها المرسوم التنظيمي ..فما كان من محافظة دمشق إلا أن انتزعت المنطقة من المخطط التنظيمي، علماً بأنه سبق وأشرنا الى أن المرسوم التنظيمي لم يستثني أي من المناطق هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المرسوم التنظيمي يلغي ما قبله من المراسيم الصادرة سابقاً لذات المنطقة.
عدم اكتراث ولامبالاة
تقدم أهالي الحي برئاسة مختار المحلة بمذكرة اعتراض جماعي ممهور بخاتم وتوقيع مختار المحلة، وقام وفد ممثلٌ لأهالي الحي بمقابلة محافظ مدينة دمشق بداية العام 2012 مؤكدين له مضمون مذكرة الإعتراض المقدمة من قبلهم، وتلخصت نتائج اللقاء بوعود شفهية قطعها المحافظ لم تقترن بالتنفيذ تمثلت بـ:
إدراج العقارات المستملكة لصالح مجلس الشعب بموجب المرسوم رقم /35/ للعام 1985 في المخطط التنظيمي العائد للمرسوم التشريعي رقم /66/ للعام 2012 في حال تأكيد مجلس الشعب على عدم حاجته لاستملاك هذه العقارات لإنشاء مقر جديد له .
التنسيق بين المحافظ وأهالي الحي ومجلس الشعب لإيجاد صيغة تعويض تكون عادلة ومنصفة تتوافق والظروف الإقتصادية الراهنة، في حال أكد مجلس الشعب على إنشاء مقره في المنطقة المستملكة.
المشكلة لم تنته
الوعود التي أطلقتها المحافظة لم تنفذ وبقيت شفهية لم توثق بكتاب رسمي والسيد المحافظ لم يرد على مذكرة الإعتراض، ولا حتى المذكرة التي قدمها الوفد الذي قابله، وبالتالي لم تلتزم المحافظة بالوعود.
وبناءً عليه سيلجأ أهالي الحي مرة جديدة للطرق القانونه وينظموا وكالات قانونية بغية رفع دعوى قضائية لمخاصمة المحافظة أمام مجلس الدولة في محاولة لاستحصال حقوقهم.
مخالفات بالجملة
الدكتور محمد الشمالي اعتبر أن هناك عدة مخالفات قانونية مرتكبة نتيجة الاستملاك ومن ثم المرسوم :
استمرار الاستملاك بعد صدور المرسوم /66/ لعام2012 مؤكداً أن الاستملاك ينحدر إلى درجة الإنعدام لعدة أسباب أهمها :
1- عدم تحقق الغاية من قانون الاستملاك رقم 35 لعام 1985بإنشاء مقر لمجلس الشعب، بدلالة تخلي المجلس عن المنطقة المستملكة وانتقالها إلى المحافظة.
2- مرور ثلاثين عاماً على الاستملاك دون تنفيذه.
3- أهالي الحي لم يستلموا بدلات عقاراتهم عن الاستملاك.
التقدير غير العادل للعقارات المستملكة
أهالي الحي كانوا قد وجهوا شكوى مفادها أن تقييم التعويض لم يكن عادلاً لاسيما مقارنةً بأسعار المنطقة، لافتين إلى أن محضر من المحاضر تم استملاكه بمبلغ يتراوح بين 300 و 400 ليرة سورية في حين أن سعر المتر في العقارت المجاورة يبلغ مايقارب 500 ألف ليرة سورية.
السيد تيسير خمم قال:"الاستملاك في الـ 1985 لم يكن يتجاوز20 ليرة يصل كحد أقصى إلى 239 ليرة للمتر، والشجرة بما تثمر لمدة 10 سنوات، في حين أن المتر من العقارات التي يشملها المرسوم/ 66/ يساوي 24 ألف ليرة ".
إضافة إلى ذلك إن أياً من أصحاب العقارات لم يستلم البدلات الخاصة بعقاراتهم التي من المفترض أن تكون قد دفعت للمالكين أثناء نقلها ملكية العقارات إلى المحافظة.
كما أشار الدكتور محمد الشمالي إلى أن أهالي الأراضي المستملكة استمروا بتسديد ضريبة ريع العقارات المستملكة حتى العام 2009 بالرغم من كون نقل الملكية تم في العام 2007 فلماذا لم تبادر حينها لتسديد ضريبة ريع العقارات المستملكة عوضاً عن مالكيها..؟.
المواطن محمد شعبان من سكان الحي ذهب للمؤسسة العامة للإسكان- مقر الإدارة التنفيذية للمرسوم /66/  ليثبت حقه في عقاره على اعتبار أنه وارث، إلا أن الإسكان رفضت إتمام عملية تثبيت الملكية على اعتبار أن المحافظة كانت قد وضعت إشارة على صحيفة قيده العقاري بمنع إجراء أي معاملة لخضوعه لتنظيم شرق المزة؛ وهنا تكمن المفارقة.. كيف يمكن لعقار مستملك استبعدته محافظة مدينة دمشق من المرسوم التنظيمي أن يوضع إشارة على صحيفته العقارية لضمه ضمن المخطط التنظيمي..! 
كان ضمن المخطط التنظيمي و أخرج منه
بديع بغدادي أحد سكان الحي، يقع عقاره في المحضر( 2675) المستملك ؛ أُخرج عقاره من المرسوم /66/ بعد أن تم قبول استمارته المضمونه بوثائق تؤكد ملكيته، مشيراً إلى أن هناك عدداً من الحلات المماثلة، على حد قوله.
أهالي الحي جددوا تأكيدهم  أنهم ليسوا ضد المرسوم بل على العكس هم يطالبون بضمهم للعقارات المشمولة  ضمن المخطط التنظيمي للمرسوم بهدف تطوير المنطقة وتنظيمها.
الدكتورغسان من سكان الحي حضر الاجتماع الذي جمع السادة جمال يوسف المدير التنفيذي للمرسوم في محافظة دمشق مع أهالي خلف مشفى الرازي بهدف سماع شكواهم، مؤكداً أن القائمين على الاجتماع هدفهم التسويف فلم يستمعوا  لشكوى أصحاب العقارات المستملكة بحجة أن الجلسة مخصصة لمناقشة المرسوم /66/، كما أنهم لم يأخذوا بعين الاعتبارشكاوى المواطنين المستفيدين من المرسوم التنظيمي لاسيما فيما يخص السكن البديل .. فما كان منهم سوى تكرار التعبير عن مدى حرصهم على مصلحة المواطن أمام وسائل الإعلام؛ علماً أن المطلب الأساسي لسكان المنطقة المستملكة هو ضمهم للمرسوم التنظيمي /66/ لعام 2012.
ضياع حقوق الملكية
أشار المحامي نبيل حجيج إلى ضياع حقوق عدد من المالكين  بسبب التبليغ عن طريق الجريدة الرسمية والهاتف، إضافة إلى سبب آخر يتمثل بأن العديد من الأهالي يملكون وكالات كاتب بالعدل غير قابلة للعزل إلا أنه لايمكن تصديقها بسبب أن السجلات موجودة في مستودع وزارة العدل بدوما، واليوم لايمكن الوصول إليها وبالتالي ضاع حق المزيد من الناس.
إضافة إلى أن تبليغات قرارات لجنة حل الخلافات وفي نص المرسوم تبلغ وفق القواعد المتبعه لقاضي الأمور المستعجلة وبالتالي كل شخص يبلغ إلى موطنه المختار( العنوان الذي يختاره المواطن لتبليغ بالأوراق الرسمية) إلا أن التبليغ أيضاً تم هذه المرة عن طريق الجريدة الرسمية التي لا يقرأها إلا المختصون ومع انتهاء المدة الخاصة بالإستئناف دون اعتراض عدد كبير من الناس لعدم علمهم بالتالي بات القرار مبرماً وضاع حقهم بالسكن البديل.
جرد مصور
في هذا الإطار تحدث أهالي الحي عن عملية جرد تمت عن طريق تصوير البيوت وحسب عدد القاطنين في كل بيت..!.
لكنهم فوجئوا أن هناك أناس غير مسجلين، حيث لم يؤخذ بعين الاعتبار عدد العائلات التي تشغل العقار الواحد، علماً أن الشاغلين يستفيدون من السكن فيما يستفيد المالك من الأسهم.
سكن بديل و ليس بدل سكن
في جانب آخر من تبعات الخطوات التنفيذية للمرسوم /66/ توصل أهالي المنطقة المشمولة بالتنظيم بعد سجالات طويلة مع الجهة المختصة بتنفيذ المرسوم ضمن محافظة دمشق إلى صيغة بناء مساكن بديلة في نفس المنطقة، وفق ماذكر رئيس لجنة حي الإخلاص توفيق حاج علي، وأن ذلك سيتم على مراحل علماً أن أهالي الحي من المنذرين بالهدم 1400 عائلة، وفي مذكرة لاحقة توجهوا بمنشادة لمقام محافظة دمشق لجنة التنظيم العمراني عدم إخراج السكان لحين توفير السكن البديل، أوضحوا فيها أن القرار بدفع بدلات الإيجارغير قابل للتطبيق لعدم تناسب بدلات الإيجار والأسعار الرائجة من جهة، ولعدم توافر السكن للإيجار بسبب الظروف التي تمر بها البلد مايؤدي اإلى خلق أزمة اجتماعية خانقة من جهة ثانية.
المحامي حجيج أكد أنه و بموجب المرسوم /66/ يجب على المحافظة أن تتعاقد مع شركات لتنفيذ السكن البديل وحتى تاريخه، ومع مرور قرابة العامين واقتراب موعد تنفيذ المخطط التنظيمي- إخلاء السكان و البدء بالهدم - أي أن يسلم السكن البديل قبل الإخلاء، لم يتم التعاقد مع أي منها حتى الآن .
مختار حي البساتين الذي حضر إجتماع المدير التنفيذي للمرسوم /66/ في محافظة دمشق مع أهالي خلف مشفى الرازي توقع أنّ: "الأسهم ستعلن في 15 نيسان/ أبريل و أن الإنذارت ستوزع مع بداية الشهر الخامس، فوجئ مع الأهالي أنهم متهمون بالبناء فوق أراض مستملكة للدولة، علماً أن هذه الأراضي هي أراضيهم التي لم يستفد منها الاستملاك وكان من المفترض أن تعود إلى أصحابها وفق القانون.
يفتح هذا التحقيق قريحة المتابع المهتم على جملة من الأسئلة ربما كان بعضها محرجاً.. !
طالما لم تنفذ الغاية من الاستملاك لماذا لم تعاد الأراضي المستملكة  إلى أصحابها وفقاً لنص القانون القديم والجديد خاصةً أن على هذه الأراضي عقارات مسكونة، وأن مجلس الشعب " الجهة المستفيدة من الاستملاك" صرحت خطياً لمجلس الوزراء بتخليها عن المشروع سبب الاستملاك ؟.
هل يجوز في أي حال من الأحوال أن تأتي التعليمات التنفيذية لأي مرسوم مخالفةً لروح المرسوم في بعض بنودة أو كلها، ولما كان الجواب قطعاً بالنفي، كيف تبرر محافظة دمشق استثناء حي الإخلاص من التنظيم ؟.
على محافظة دمشق أيضاً أن تبررللمواطنين عدم البدء بتنفيذ أولى خطوات المخطط التنظيمي وهي تأمين السكن البديل في نفس المنطقة ( وفقاً لنص المرسوم66) ؟.
وهل تستطيع محافظة دمشق أن تواجه الإتهامات التي يسوقها مواطنون كثر (بلا دليل)، على أن وراء مايحدث في حي الإخلاص مآرب شخصية وأياد خفية وسيرة الحكاية على كل لسان .. فهل حي الإخلاص جائزة ترضية لمحافظة دمشق ؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=7784